وكيف كان لا مجال لأصالة البراءة، وتعلق النهى بها على هذا النحو يقتضى ترك جميع الافراد، لان الطبيعة لا تترك الا بترك جميع الافراد، فمتى شك في شئ انه من افراد الطبيعة المنهى عنها يجب عليه تركه، لان اشتغال الذمة بترك ايجاد الطبيعة معلوم، ولا يتقين بالبراءة الا بالقطع بترك جميع افرادها في نفس الامر.
ولو تعلق التكليف بالطبيعة على النحو الثاني فلا اشكال في أنه ينحل إلى تكاليف عديدة، وان كل فرد يتعلق به تكليف مستقل، نظير العام الاستغراقي (79)، فمتى شك في شئ انه من افراد الطبيعة المكلف بها، فالأصل فيه البراءة، سواء كان التكليف المتعلق بالطبيعة أمرا أو نهيا، إذ كلما ذكرنا في الشبهة الحكمية من حكم العقل والدلالة الشرعية جار هنا أيضا. ومجرد العلم بالكبرى - التي شك في وجود صغراها كما هو المفروض - لا يصحح العقاب على هذا المشكوك فيه. ولعمري إن هذا واضح جدا.
____________________
(79) مثال ذلك في الامر (إقض ما فات) فإنه عام استغراقي يشمل جميع الافراد، فلو شك في فوت فرد فلا اشكال في جريان أصالة البراءة، وأما في النواهي، فالأمثلة كثيرة لا حاجة إلى ذكرها.