...
الكتب كانا بعد إيتائهم وتعريفهم، فلابد من كون التعريف عبارة عن المعرفة الفطرية بالصانع، لا المعرفة بالأحكام، فتكون أجنبية عما نحن فيه.
أقول: الأخذ بظاهر الرواية غير ممكن، لأن ظاهرها أن إرسال الرسل وإنزال الكتب متأخران عن الاحتجاج بما آتاهم وعرفهم، فلابد وأن يقال: إن المقصود منه أن سنة الله - تعالى - هو الاحتجاج على العباد بما آتاهم وعرفهم، وهي منشأ لإرسال الرسل والتعريف، فتخلل لفظة (ثم) يكون مناسبا لذلك.
مع أن في ذيل الرواية دلالة على ذلك، فإن الظاهر أن ذيلها مربوط بهذا الكلام، فقد تصدى لبيان أن التعريف على الله لإتمام الحجة بقوله: (ثم أرسل إليهم رسولا...) إلخ، وأن إيتاء السعة والقدرة - أيضا - شرط لإتمام الحجة بقوله: (فنام رسول الله عن الصلاة..) إلى آخر ما ذكر من الاستشهاد بالآيات على أن التكليف موضوع عن الضعفاء والمرضى والفقراء، فراجع.
وبالجملة: هذا الذيل لا يضر بالدلالة، بل يؤيدها.
وأما ما قيل: إن ما دل على الاحتياط وارد على مثلها (يو) ففيه ما لا يخفى، فإن الظاهر منها أن المعرفة بالأحكام موجبة للاحتجاج، وبما أنه في مقام الامتنان والتحديد، تدل على أنه مع عدم المعرفة لا يقع الاحتجاج، ولا يكون الضيق والكلفة، كما دل عليه ذيل الرواية الثانية، ولزوم الاحتياط لا يوجب المعرفة بالأحكام، ضرورة عدم طريقيته للواقع، لا حكما ولا موضوعا، فلو احتج علينا على الواقع بالاحتياط يكون احتجاجه بلا تعريف، وهو يناقض الرواية، وليس الاحتياط واجبا نفسيا حتى يحتج به، بل بعد إلزام الاحتياط يحتج بالواقع، فلا إشكال في مناقضة الاحتياط معها.
بل لا يبعد حكومتها على أدلة الاحتياط، لتعرضها لنفي الاحتجاج - الذي لازم جعل الاحتياط - مما لا تتعرض له أدلة الاحتياط، فتدبر.
وقريب منهما ما روي في الوافي عن الكافي في باب البيان والتعريف باسناده عن اليماني، قال: (سمعت أبا عبد الله يقول: إن أمر الله كله عجب، إلا أنه قد احتج عليكم بما عرفكم