إذا عرفت ذلك: فالعلم الإجمالي المتعلق بالتكليف الفعلي المنجز لابد من الخروج عن عهدته، وهو يقتضي الموافقة القطعية والاحتمالية، وترك المخالفة القطعية والاحتمالية، ومجرد كون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء ومصروفة عنه الدواعي لا يوجب عدم تنجيز التكليف المعلوم.
ولو لوحظ التكليف بالنسبة إلى كل أحد، والخطاب متوجها إلى كل واحد من المكلفين، ويراعي الاستهجان وعدمه في التكليف الانحلالي، للزم استهجان الخطاب إلى التارك الذي لا يصير التكليف باعثا له، فلزم أن لا تكون العصاة مكلفين بالفروع، والكفار بالأصول والفروع، ولزم أن يكون التارك للمنهي عنه بمقتضى دواعيه غير متوجه إليه النهي، ضرورة عدم الفرق في الاستهجان بين النهي عن شرب الخمر الموجود في أقصى بلاد المغرب، وبين النهي عن كشف العورة في ملأ من الناس لمن له شرف، والنهي عن أكل القاذورات والخبائث، فلافرق بين عدم القدرة العادية على المنهي عنه وبين كون الدواعي مصروفة عنه.
لست أقول: إن التكليف متقيد بالإرادة، حتى يقال: إن التقييد بها غير معقول، دون التقييد بالقدرة العقلية أو العادية، ولكن أقول: إن التكليف إنما يتوجه إلى المكلف لأجل إيجاد الداعي له ولو بمباد اخر من خوف العقاب والطمع في الثواب، والتارك للشئ بإرادته - سواء تعلق به النهي أم لا - لا يصير النهي داعيا له وباعثا إياه، فيكون مستهجنا لغوا، بل في جميع تلك الموارد يكون التكليف الجدي للبعث محالا، لعدم تحقق مبادئ الإرادة فيها،