فلا مجال للحكم بالتخيير، وهذا واضح. نعم لو خرج واحد معين واقعا وغير معين عندنا أمكن القول بالتخيير في بعض الصور أيضا.
ومنها: أن لنا أن نقول: إن التخيير في الأصلين المتعارضين من مقتضيات الدال والكاشف، كالمثال المذكور في الصورة الأولى، لأن اجتماع دليل العام وإجمال دليل الخاص بضميمة وجوب الاقتصار على القدر المتيقن في التخصيص كما أوجب الحكم بالتخيير، كذلك اجتماع دليل الأصول - مثل قوله: (كل شئ لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه) (1) - مع لزوم التخصيص، ودورانه بين خروج الفردين مطلقا وفي جميع الأحوال، أو خروج كل منهما في حال عدم ارتكاب الآخر، موجب للحكم بالتخيير.
وبالجملة: الإطلاق الأحوالي لدليل العام ولزوم الأخذ بالقدر المتيقن في التخصيص، هو الملاك فيما نحن فيه وفيما ذكر من المثال، بل فيما نحن فيه أولى مما ذكره، لأن التخصيص فيه عقلي، والعقل يحكم جزما بأن ما يوجب الامتناع هو إطلاق الدليل لا عمومه الأفرادي، فالمخصص لم يكن أمره دائرا بين الأقل والأكثر كالمثال المذكور، بل يحكم العقل بأن ملاك التصرف في العام - أي أدلة الأصول في أطراف العلم الإجمالي - ليس إلا في تقييد الإطلاق، لا تخصيص الأفراد.
ومنها: أن ما أفاد في الصورة الثانية - من أن التخيير في باب تزاحم