أما من ناحية الدليل: فهو مما لا يكاد يخفى، فإن دليل اعتبار كل أصل إنما يقتضي جريانه عينا، سواء عارضه أصل آخر أولا، وليس في الأدلة ما يوجب التخيير عند التعارض.
وأما من ناحية المدلول: فلأن المجعول فيها ليس إلا الحكم بتطبيق العمل على مؤدى الأصل مع انحفاظ رتبة الحكم الظاهري باجتماع القيود الثلاثة، وهي: الجهل بالواقع، وإمكان الحكم على المؤدى بأنه الواقع، وعدم لزوم المخالفة العملية، وحيث إنه يلزم من جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي مخالفة عملية فلا يمكن جعلها جميعا، وكون المجعول أحدها تخييرا ممكن إلا أنه لا دليل عليه، لامن ناحية أدلة الأصول، ولامن ناحية المجعول فيها. وقياسها بباب الأمارات على السببية ليس في محله، لأن المجعول فيها مما يقتضي التخيير، لاندراجها في باب التزاحم (1) انتهى.
وفيه مواقع للنظر نشير إلى بعض:
منها: أن ما أفاد - من أن التخيير في الصورة الأولى من مقتضيات الكاشف والدال لا المنكشف والمدلول، فإن المجعول في كل من العام والخاص هو الحكم التعييني - ليس في محله، فإن دوران الأمر في المخصص بين التعيين والتخيير - أي خروج الفردين مطلقا، أو خروج كل منهما مشروطا بدخول الآخر - موجب للحكم بالتخيير، فإنه القدر المتيقن من التصرف في العام، وإلا فلو علم أن المجعول في كل من العام والخاص هو الحكم التعييني،