لا يجب إكرام كل منهما في حال من الأحوال - أوليس كذلك، بل كان عدم وجوب إكرام كل منهما مقيدا بحال إكرام الآخر؟! أي يدور الأمر بين كون المخصص أفراديا وأحواليا أو أحواليا فقط، فلابد حينئذ من القول بالتخيير، وإنما نشأ ذلك من اجتماع دليل العام وإجمال المخصص، ووجوب الاقتصار على القدر المتيقن في التخصيص، وليس التخيير لأجل اقتضاء المجعول، بل المجعول في كل من العام والخاص هو الحكم التعييني، والتخيير نشأ من ناحية الدليل لا المدلول.
ومن الثاني: ما إذا تزاحم الواجبان في مقام الامتثال لعدم القدرة على الجمع بينهما، فإن التخيير في باب التزاحم إنما هو لأجل أن المجعول في باب التكاليف يقتضي التخيير، لأنه يعتبر عقلا في المجعولات الشرعية القدرة على امتثالها، والمفروض حصول القدرة على امتثال كل من المتزاحمين عند ترك الآخر، وحيث لا ترجيح في البين، وكل تكليف يستدعي نفي الموانع عن متعلقه وحفظ القدرة عليه، فالعقل يستقل حينئذ بصرف القدرة في أحدهما تخييرا: إما لأجل تقييد التكليف في كل منهما بحال عدم امتثال الآخر، وإما لأجل سقوط التكليفين واستكشاف العقل حكما تخييريا، لوجود الملاك التام، وعلى أي حال التخيير في باب التزاحم لم ينشأ من ناحية الدليل، بل نشأ، من ناحية المدلول بالبيان المتقدم.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن القول بالتخيير في باب تعارض الأصول مما لا شاهد عليه، لا من ناحية الدليل، ولا المدلول: