يكون على طبقه إرادة جدية، ويكون الحاكم بصدد إجرائه، لتمامية الاقتضاء، وعدم موانع الإجراء - أنه قد عرفت أن الأحكام لم تكن مشروطة أو مقيدة بحال العلم، وتكون التكاليف فعلية علم المكلف أولا، لكن مع ذلك ليست التكاليف بوجودها الواقعي قابلة للباعثية، والمولى إنما أنشأ التكاليف ليعلم المكلف فيعمل بها، ولهذا أوجب على العالم إرشاد الجاهل وعلى الجاهل التعلم، لئلا تصير أحكامه معطلة.
لكن مع كمال اهتمامه بتبليغ الأحكام ورفع الجهالة عن الأنام، كثيرا ما يتفق عدم وصول بعض الأحكام إلى العباد لعلل كثيرة، ولا يمكن أن تكون التكاليف بوجودها الواقعي باعثة للمكلف وداعية إلى الاحتياط، فحينئذ إن لم يمنع مانع يلزم عليه إيجاب الاحتياط في مطلق الشبهات، للوصول إلى التكاليف الواقعية الفعلية، وإن كان في إيجابه مفسدة - كاختلال النظام، أو الحرج والعسر - أو في تركه مصلحة غالبة، فلا يوجبه.
ولما كان المورد من الموارد التي يحكم العقل بالبراءة لو خلي ونفسه، ويكون وجود التكليف الواقعي كعدمه بلا أثر على أي حال، لا يرى العقل ترخيص المولى في مثله قبيحا، ولا منافيا لفعلية التكليف، فالتكليف مع كونه فعليا لما كان غير مؤثر في نفس العبد، ولا داعيا إياه نحو العمل، ويحكم العقل في مورده بالبراءة، لا يمنع عن الترخيص والتوسعة إذا كان في إيجاب الاحتياط مفسدة.
وبالجملة: لا يوجب الترخيص إلقاء المكلف في المفسدة، لأنه لا يزيد على