البراءة، فإن مفادها الإخبار بنفي التعذيب قبل إتمام الحجة، فلا دلالة لها على حكم مشتبه الحكم من حيث إنه مشتبه (1) ليس في محله، لأن المشتبه الذي لم يصل حكمه من الله - تعالى - إلى العباد بعد الفحص مشمول للآية: إما بما ذكرنا من أن البعث كناية عن إيصال الحكم، أو بالغاء الخصوصية بنظر العرف بمناسبة الحكم والموضوع.
ثم اعلم أن التعبير بقوله: * (ما كنا معذبين..) * - دون قوله: ما عذبنا - مما يشير إلى معنى آخر بحسب المتفاهم العرفي: وهو أن التعذيب قبل البيان مناف لمقام الربوبية، وأنه - تعالى - أجل من أن يعذب قبل تبليغ الحكم إلى العباد وإتمام الحجة عليهم، فكأنه - تعالى - قال: ما كنا مرتكبين لهذا الأمر الذي ينافي مقامنا الأرفع وجنابنا الأمنع.
ومن هذا التركيب والبيان: إما أن يفهم عرفا أن التعذيب قبل البيان مناف لمقام عدله، ويكون أمرا قبيحا مستنكرا منه - تعالى - كما لا يبعد، وإما أن يفهم أنه مناف لمقام رحمته ولطفه بالعباد.
فعلى الأول: يفهم منه عدم الاستحقاق أيضا، فإنه مع الاستحقاق لا يكون التعذيب منكرا منافيا لعدله - تعالى - وحينئذ يكون الاستدلال بها للبراءة مما لا إشكال فيه.
وعلى الثاني: لا يفهم منه إلا رفع فعلية العقاب، وهو لا ينافي الاستحقاق.
فاورد على الاستدلال بها: