لا يمكن أن يقال: إنه - تعالى - يعذبهم لأنه بعث الرسول، ضرورة أن المتفاهم من الآية أن البعث لأجل التبليغ وإتمام الحجة يكون غاية لعدم التعذيب، وهذا واضح.
وكذا لو فرضنا أنه بلغ بعض الأحكام دون بعض، كان التعذيب بالنسبة إلى ما لا يبلغه مخالفا للوعد في الآية الشريفة، وكذا لو فرض أنه بلغ إلى أهل بلد خاص دون سائر البلدان، وانقطع بالنسبة إليها لأجل حوادث، أو بلغ جميع الأحكام إلى جميع البلدان في عصره، ثم عرض الاشتباه، وانقطع وصول التبليغ على ما هو عليه بالنسبة إلى سائر الأعصار، فإن في جميع تلك الصور يفهم عرفا من الآية الشريفة: أن الغاية - التي هي إيصال الأحكام إلى العباد وإتمام الحجة عليهم - لم. تحصل، فكما أن مجرد وجود الرسول بين الأمة قبل تبليغه الأحكام لا يصحح العقاب، كذلك التبليغ الغير الواصل إلى العباد في حكم عدم التبليغ في ذلك عند العقل والعرف.
فإذا اشتبه حكم موضوع، وعمل العبد ما تقتضي وظيفته من التفتيش والفحص، ولم يصل إلى حكم المولى، ولم يكن له علم إجمالي أو تفصيلي بالإلزام، يكون مشمولا لقوله تعالى: * (ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * (1)، لما عرفت من أن البعث ليس له جهة موضوعية، بل هو لأجل إيصال الحكم إلى العباد جعل غاية للوعد بحسب الفهم العرفي.
فما أفاده بعض أعاظم العصر - قدس سره - من أن مفاد الآية أجنبي عن