(ثم إن) هذا البناء من العقلاء كما يكون ثابتا في مجموع الكلام كذلك يكون ثابتا في أبعاضه وخصوصياته، فكما أن نفس تكلمه (بما أنه فعل من الأفعال الاختيارية) يحمل على كونه لغايته الطبيعية العادية، فكذلك الخصوصيات المذكورة في الجملة من الشرط أو الوصف أو غيرهما تحمل (بما هي من الأفعال الصادرة عنه) على كونها لغرض الإفادة والدخالة في المطلوب، فإنها غايتها العادية، وكما لم يكن دلالة نفس الجملة على كونها لغرض إفادة المعنى دلالة لفظية وضعية بل كانت من جهة بناء العقلاء (المتقدم بحسب الرتبة على الدلالة اللفظية المنطوقية)، فكذلك دلالة الخصوصية المذكورة في الكلام على كونها للدخالة في المطلوب ليست من باب دلالة اللفظ بما هو لفظ موضوع بل هي من باب بناء العقلاء ومن باب دلالة الفعل بما هو فعل سواء كان من مقولة اللفظ أو من غيره.
(إذا عرفت هذه المقدمة) ظهر لك سرما قلناه من أن الدلالة المفهومية خارجة من الانحاء الثلثة أعني المطابقة والتضمن والالتزام، فان مقسمها دلالة اللفظ (بما هو لفظ موضوع)، فان دل على تمام ما وضع له سميت الدلالة بالمطابقة وان دل على جزء منه سميت بالتضمن وان دل على لازمه سميت بالالتزام، واما دلالة اللفظ على المفهوم فليست ثابتة له بما هو لفظ موضوع بل هو من باب دلالة الفعل بحسب بناء العقلاء.
(والحاصل) ان دلالة الخصوصية المذكورة في الكلام من الشرط أو الوصف أو الغاية أو اللقب أو نحوهما على الانتفاء عند الانتفاء ليست دلالة لفظية بل هي من باب بناء العقلاء على حمل الفعل الصادر عن الغير على كونه صادرا عنه لغاية وكون الغاية المنظورة منه غايته النوعية العادية، والغاية المنظورة (عند العقلاء) من نفس الكلام حكايته لمعناه، والغاية المنظورة من خصوصياته دخالتها في المطلوب، ومن هنا يثبت المفهوم، فإذا قال المولى: (ان جاءك زيد فأكرمه) مثلا حكم العقلاء بدخالة مجئ زيد في وجوب اكرامه، (بتقريب) انه لو لم يكن دخيلا فيه لما ذكره المولى، وكذلك ان ذكر وصف في كلامه يحكمون بدخالته في الحكم بهذا التقريب، وهكذا سائر الخصوصيات التي تذكر في الكلام.
(وبالجملة) فائدة ذكر القيد (أي قيد كان) بحسب طبعه عبارة عن دخالته في الحكم