(وكيف كان) فهنا مداليل اخر للكلام سوى المداليل المطابقية والتضمنية والالتزامية يكون دلالة اللفظ عليها دلالة مفهومية، كما يكون دلالته على المعنى المطابقي والتضمني والالتزامي دلالة منطوقية، فالدلالة المفهومية خارجة من الأقسام الثلثة، فإنها بأجمعها مما يمكن ان يقال: ان المتكلم تنطق بها، غاية الامر ان تنطقه بالنسبة إلى المدلول التضمني والالتزامي بالواسطة، والمفهوم عبارة عما لم يتنطق به المتكلم ولو بالواسطة.
وبيان حقيقة الدلالة المفهومية يتوقف على ذكر مقدمة " فنقول ": لا ريب في أن استفادة المعنى من اللفظ بحيث يمكن الاحتجاج على المتكلم بإرادته له تتوقف على أربعة أمور مترتبة حسب ما نذكرها.
" الأول " عدم كون المتكلم لاغيا في كلامه وكونه مريدا للإفادة.
" الثاني " كونه مريدا لإفادة ما هو ظاهر اللفظ بحيث يكون ظاهر اللفظ مرادا له، إذ من الممكن (بحسب مقام الثبوت) عدم كونه لاغيا في كلامه ولكن لا يكون مع ذلك مريدا لظاهر اللفظ بان ألقاه تقية أو لجهات اخر.
" الثالث " عدم اجمال اللفظ وكونه ظاهرا في المعنى. " الرابع " حجية الظهور، والمتكفل لاثبات الامر الأول والثاني ليس هو اللفظ بل بناء العقلاء إذ قد استقر بنائهم على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية التي تقصد منه عادة ولا يعتنون باحتمال صدوره لغوا وجزافا ولا باحتمال صدوره لغير ما هو غاية له نوعا، واللفظ الصادر عن المتكلم أيضا من جمله أفعاله، فيحمل بحسب بناء العقلاء على كونه صادرا عنه لغاية، وكون المقصود منه غايته الطبيعية العادية، وحيث إن الغاية العادية للتلفظ إفادة المعنى فلا محالة يحكم المستمع للفظ (قبل اطلاعه على المعنى المقصود منه) بكون التكلم به لغاية وفائدة وكون الغاية المنظورة منها إفادة معناه (أي شئ كان)، وليس هذا مربوطا بباب دلالة الألفاظ على معانيها، بل هو من باب بناء العقلاء على حمل فعل الغير على كونه صادرا عنه لغايته الطبيعية، وهذا مقدم بحسب الرتبة على الدلالة الثابتة للفظ (بما هو لفظ موضوع) على معناه المطابقي أو التضمني أو الالتزامي لأنه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ موضوع ويحكم به العقلاء قبل الاطلاع على المعنى الموضوع له.