بذاتها، ولكن أكثر الناس لا يعقلون فيأتون بها لاسقاط الإعادة والقضاء أو الفرار من النار والدخول في الجنة أو نحو ذلك، (وقد ظهر بما ذكرنا) ان الاتلاف والجنايات ونحوها لا تتصف بالصحة ولا بالفساد، (نعم) يتصف بهما العبادات بالمعنى الأخص وبالمعنى الأعم والمعاملات.
(السادس) ان التقابل بينهما يشبه تقابل العدم والملكة، فان الصحة كما عرفت عبارة عن كون الموجود الخارجي بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب، والفساد عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك، وانطباق العنوان المترقب وإن لم يكن من الشئون الواقعية للموجود الخارجي ولكن لما كان وجوده بترقب هذا الانطباق صار هذا الترقب منه بمنزلة كونه من شؤونه، فالفساد عبارة عن عدم الانطباق فيما يكون من شأنه الانطباق.
(إذا عرفت هذه المقدمة فنقول): قد ذكروا لدلالة النهى على الفساد وجهين:
" الأول " ان النهى يقتضى الحرمة والمبغوضية، وهما تنافيان الصحة.
" الثاني " ان علماء الأمصار في جميع الاعصار كانوا يستدلون بالنهي الوارد في العبادات والمعاملات على الفساد. (والظاهر) تباين هذين المسلكين وعدم الجامع بين مقتضى الدليلين، (وتوضيح ذلك) يتوقف على بيان نكتة، وهي ان صحة الشئ (كما عرفت) عبارة عن كونه بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب منه، وفساده عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك.
(ثم إن) العناوين مختلفة، فبعضها بحيث يكون انطباقها وعدم انطباقها واضحا عند الجميع ولا يختص علمه ببعض دون بعض، ولكن كثيرا منها مما يجهلها الأكثر ويختص العلم بانطباقها ومنطبقاتها وما يشترط في انطباقها عليها ببعض الناس (وذلك) كالمعاجين التي يختص العلم باجزائها وشرائطها وموانعها بالأطباء فقد يكون معجون خاص مركبا من أمور ويكون لشروط وجودية وعدمية دخل في انطباق عنوانه على هذه الأمور ولكن العلم بذلك يختص بطائفة خاصة، (ومن هذا القبيل) أكثر العبادات والمعاملات الواردة في الشريعة فانا أمور مركبة من اجزاء خاصة، ويكون لشروط وجودية وعدمية دخل في انطباق عناوينها على هذه الاجزاء، ولكن العلم بذلك يختص بمخترعها وهو الشارع، وبناء العرف والعقلاء في هذا السنخ من الأمور على الرجوع إلى اهل فنها فإذا رجعوا إليهم وورد منهم