في ذلك امرا ونهى يكون هذا الامر أو النهى عندهم ظاهرا في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، فإذا قال الطبيب مثلا للمريض اجعل السقمونيا بمقدار خاص في المعجون الذي عالجتك به لا يكون هذا الامر ظاهرا في الوجوب المولوي، بل يكون ظاهرا في الارشاد إلى الجزئية، وكذا لو قال: (لا تجعل فيه السقمونيا) لا يتبادر من هذا النهى التحريم المولوي بل يكون ظاهرا في الارشاد إلى مانعية السقمونيا عن تحققه بنحو ينطبق عليه العنوان المترقب، وان قال الإمام عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو نائبهما: لا تصل في جلد ما لا يؤكل لحمه مثلا كان نهيه هذا ظاهرا في الارشاد إلى مانعية جلد ما لا يؤكل لحمه ودخالة عدمه في انطباق عنوان الصلاة على الاجزاء التي يؤتى بها بترقب انطباقه عليها، وإذا قال: صل مع الطهارة كان امره هذا ظاهرا في الارشاد إلى الشرطية، (والسر في ذلك) ان عنوان الصلاة مثلا من العناوين التي لا يعلم اجزائها وشرائطها وموانعها الا من قبل الشارع نظير المعجون الذي يختص العلم بخصوصياته بالطبيب، والأوامر والنواهي الواردة في خصوصيات هذا السنخ من العناوين من قبل اهل فنها ظاهرة في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وهذا ظهور عرفي عقلائي يشهد به كل من راجع سيرة العقلاء، واحتمال المولوية في هذه الموارد احتمال مرجوح لا يقبله الأذهان السليمة.
(إذا عرفت ما ذكرنا فنقول): قد ظهر بذلك سر استدلال علماء الأمصار في جميع الاعصار بالنواهي (الواردة في أبواب العبادات والمعاملات بأنواعها من البيوع والأنكحة وغيرها) على الفساد، فان استدلالهم بها لم يكن بتوسيط الحرمة المولوية بان يستفيدوا منها الحرمة المولوية ويستدلون بالحرمة على الفساد، بل كان ذلك من جهة ظهور النواهي الواردة في هذه الأبواب في الارشاد إلى المانعية المستلزمة للفساد قهرا، (نعم) لو فرض ظهور النهى في التحريم المولوي أو أحرز الحرمة والمبغوضية بطريق آخر يجرى نزاع آخر في أن الحرمة تقتضي الفساد أو لا؟ ولكن هذا غير النزاع الأول، فان النزاع على الأول في الدلالة والبحث لفظي، وعلى الثاني في الاقتضاء والملازمة، والبحث عقلي.
(وبما ذكرنا ظهر) اختلاف أساس الاستدلالين، فان بناء الاستدلال الأول على ادعاء الملازمة بين الحرمة المولوية والفساد من دون نظر إلى ظهور النهى حتى لو فرض