(واما ما ذكره) من تأثير ملاك الوجوب بعد ارتفاع الحرمة الفعلية بالاضطرار فغير مسلم، إذ المانع عن تحقق الوجوب ليس هو الحرمة الفعلية حتى يصير ارتفاعها سببا لتحققه، بل المانع عن تحققه وتأثير ملاكه فيه هو أقوائية ملاك الحرمة (أعني المفسدة الداعية إلى جعلها) من ملاك الوجوب (أعني المصلحة الباعثة نحو الايجاب)، فما دامت المفسدة باقية على قوتها لا مجال لتأثير ملاك الوجوب وان كان هنا مانع عن فعلية الحرمة أيضا، فان البعث نحو ما يشتمل على مفسدة (تكون أقوى من مصلحته) قبيح بلا ريب واشكال.
(نعم) يمكن ان يوجد في الفعل المحرم (بعد الاضطرار إليه) مصلحة أقوى من مفسدته فلا مانع (ح) من تعلق الوجوب به لكنها غير المصلحة الأولية المغلوبة بالنسبة إلى المفسدة فإنها لا يمكن ان تؤثر في الايجاب وإن لم يؤثر المفسدة أيضا من جهة المانع كالاضطرار ونحوه، (الا ترى) ان شرب الخمر المحرم من جهة أقوائية ملاك الحرمة فيه لا يصير واجبا أو مستحبا بمجرد رفع حرمته الفعلية لمانع، مع أنه يشتمل على المصلحة أيضا كما يدل عليه قوله (تعالى): قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.
(نعم) ان توقف عليه حفظ النفس المحترمة صار واجبا من جهة أقوائية ملاك حفظ النفس من المفسدة الكامنة فيه فتأمل.
(ثم اعلم) ان الاضطرار ان كان إلى المعين فلا اشكال في ارتفاع حرمته به، وان كان إلى غير المعين كأحد الامرين مثلا، فإن كان أحدهما أهم وجب رفع الاضطرار بالاخر، فان رفعه بالأهم عصى واستحق عليه العقاب اما على تمامه أو على المقدار الذي صار سببا لأهميته، وإن لم يكن أحدهما أهم تخير في رفع اضطراره، هذا إذا لم يكن الاضطرار بسبب اختياره امرا اختياريا يؤدي إلى الاضطرار إلى الحرام، واما إذا كان اضطراره إليه بسبب اختيار امر يؤدي إليه لا محالة فاما أن يكون الفعل الذي يختاره مباحا ذاتا، واما أن يكون محرما من غير سنخ الحرام المضطر إليه، واما أن يكون محرما من سنخه،