أما بعد، لما ساقني القضاء إلى بلاد الغربة وحصلني القدر منها بأرض بلخ من قصبة أيلاق وردها الشريف الدين أبو عبد الله المعروف بنعمة، وهو محمد بن الحسن ابن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فدام بمجالسته سروري وانشرح بمذاكرته صدري وعظم بمودته تشرفي، لأخلاق قد جمعها إلى شرفه من صلاح وسكينة ووقار وديانة وعفاف وتقوى وإخبات. فذاكرني بكتاب صنفه محمد بن زكريا المتطبب الرازي وترجمه بكتاب " من لا يحضره الطبيب " وذكر أنه شاف في معناه.
وسألني أن أصنف له كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحكام موفيا على جميع ما صنفت في معناه، وأترجمه بكتاب " من لا يحضره الفقيه " ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه، ويشترك في أجره من ينظر فيه وينسخه ويعمل بمودعه. هذا مع نسخه لأكثر ما صحبني من مصنفاتي وسماعه لها وروايتها عني ووقوفه على جملتها، وهي مائتا كتاب وخمس وأربعون كتابا. فأجبته - أدام الله توفيقه - إلى ذلك، لأني وجدته أهلا له، وصنفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وإن كثر فوائده. ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي، تقدس ذكره وتعالت قدرته. وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع، مثل: كتاب حريز بن عبد الله السجستاني، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي، وكتب علي بن مهزيار الأهوازي، وكتب الحسين بن سعيد، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى ابن عمران الأشعري، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (رضي الله عنه) ونوادر محمد بن أبي عمير، وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ورسالة أبي (رضي الله عنه) إلي، وغيرها من الأصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي - رضي الله عنهم - وبالغت في ذلك جهدي، مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومستغفرا من التقصير، وما