ثم بعد هذه المقالة تكلم على سائر الأدلة بقوله: التمسك بالظواهر إنما يثبت بالإجماع، ولولاه لوجب العمل بالدلائل المانعة من اتباع الظن (2) انتهى كلامه.
أقول: بعد أن نطق كثير من الآيات الشريفة بالمنع عن العمل بالظن في نفس الأحكام الإلهية لو ظهر نص من النبي (صلى الله عليه وآله) مخصص لتلك الآيات بالأصول المتواتر إلينا - بل إلى انقراض أهل الدنيا - لتوفر الدواعي على أخذ مثل ذلك وعلى ضبطه ونشره، ولم يظهر باتفاق المتخاصمين، فعلم انتفاؤه في الواقع.
أ نه تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بعدم جواز التمسك به وبأنه من معظم تدابير العامة، وقد تقدم طرف من تلك الروايات.
الوجه الثالث: أنه أمر مخفي غير منضبط، ومثله لا يصلح أن يكون مناط أحكامه تعالى، كما اعترفت به العامة في علة القياس.
وأما الإجماع بمعنى " اتفاق اثنين فصاعدا على حكم بشرط أن يعلم دخول المعصوم في جملتهم علما إجماليا " فهو من اصطلاح (3) جمع من متأخري أصحابنا، وقد اعترف المحقق الحلي وغيره من المحققين بأنه من الفروض الغير الثابتة (4).
وأنا أقول: على تقدير تسليم ثبوته يرجع إلى خبر ينسب إلى المعصوم إجمالا، فترجيحه على الأخبار المنسوبة إليه تفصيلا - كما جرت به عادة المتأخرين من أصحابنا - غير معقول، وكأ نهم زعموا أن انتساب الخبر إليه في ضمن الإجماع قطعي ولا في ضمنه ظني فلذلك رجحوه، وزعمهم هذا غير مسلم *.
____________________
* المعروف من تعريف الإجماع الذي هو أحد الأدلة الشرعية عند الشيعة هو اتفاق أهل العقد والحل على حكم من الأحكام الشرعية في جميع الأقطار والأمصار بحيث لا يخرج عن ذلك الحكم عالم مجهول النسب، فيحكم العقل عند ذلك بدخول المعصوم في جملتهم، لأ نه سيدهم ومقتداهم، ولا يخلو الزمان عنه (عليه السلام) فهذا هو المسمى بالإجماع الحقيقي الذي يقول في الاستدلال عليه. وأما ما هو متداول بين الأصحاب فالأكثر فيه التجوز به عن الشهرة وكثرة