وذكر في موضع آخر من كتاب المعالم: السيد قد اعترف في جواب المسائل التبانيات بأن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها، إما بالتواتر أو بعلامة وأمارة دلت على صحتها وصدق رواتها، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد.
وبقي (1) الكلام في التدافع الواقع بين ما عزاه إلى الأصحاب وبين ما حكيناه عن العلامة في النهاية، فإنه عجيب! ويمكن أن يقال: إن اعتماد المرتضى فيما ذكره على ما عهده من كلام أوائل المتكلمين منهم والعمل بخبر الواحد بعيد عن طريقهم، وقد مرت حكاية المحقق عن ابن قبة - وهو من أجلتهم (2) - القول بمنع التعبد به عقلا، وتعويل العلامة على ما ظهر له من حال الشيخ وأمثاله من علمائنا المعتنين بالفقه والحديث، حيث أوردوا الأخبار في كتبهم واستراحوا إليها في المسائل الفقهية، ولم يظهر منهم ما يدل على موافقة المرتضى. والإنصاف أ نه لم يتضح من حالهم المخالفة له أيضا، إذ كانت أخبار الأصحاب يومئذ قريبة العهد بزمان لقاء المعصومين واستفادة الأحكام منهم، وكانت القرائن العاضدة لها متيسرة، كما أشار إليه السيد، ولم يعلم أنهم اعتمدوا على الخبر المجرد لتظهر مخالفتهم لرأيه فيه. وقد تفطن المحقق من كلام الشيخ بما قلناه بعد أن ذكر عنه في حكاية الخلاف هنا أنه عمل بخبر الواحد إذا كان عدلا من الطائفة المحقة، وأورد احتجاج القوم من الجانبين، فقال: وذهب شيخنا أبو جعفر (رحمه الله) إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا، لكن لفظه وإن كان مطلقا فعند التحقيق يتبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا، بل بهذه الأخبار التي رويت عن الأئمة (عليهم السلام) ودونها الأصحاب، لا أن كل خبر يرويه إمامي يجب العمل به. هذا الذي تبين لي في كلامه، ويدعي إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار حتى لو رواها غير الإمامي وكان الخبر سليما عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب عمل به. وما فهمه المحقق من كلام الشيخ هو الذي ينبغي