حدود وضع اللغات والألفاظ، ولا ينبغي لهم التدخل فيها، لأنه يورث الضلالة، ويستتبع الغي عن سبيل الحق، ضرورة أن الألفاظ في حدود الوضع تابعة لمقدار حدود إرادة الواضع أو المستعملين العرفيين فيما إذا كان الوضع يحصل بالاستعمال.
نعم لا يلزم على هذا المجاز اللغوي المشهور بين أبناء الأدب، من كون اللفظ مستعملا في غير المعنى الموضوع له، بل الحق أن الألفاظ في جميع المجازات تستعمل في معانيها اللغوية حسب الإرادة الاستعمالية، وإنما تختلف الدواعي والمرادات الجدية: فتارة يريد المولى من اللفظ بالإرادة الجدية نفس المراد بالإرادة الاستعمالية، وأخرى لا يكون الأمر كذلك، بل يريد انتقال المخاطب والسامع إلى المعنى المقصود بالذات، فإذا قيل: فاسألوا القرية فلا يكون هناك استعمال أو ربط مجازي بحسب الإرادة الاستعمالية، وإن كان المراد الحقيقي أمرا آخر.
وهناك في الكلمات البليغة وأشعار البلغاء والأدباء - وفي خصوص الاستعمالات القرآنية - وجه آخر وهو: الحقيقة الادعائية، بمعنى أن المتكلم يتخيل المعاني والحقائق العرفانية العقلية ذات الأبعاد، ويتخيل بين الإنسان وتلك الروحانيات الجواد والطرق، فيدعي أنه السبيل، فيستعمل فيه الصراط، فلا يكون مجازا رأسا، أي استعمل اللفظ فيما هو الموضوع له، بدعوى: أن هذا من الموضوع له، أي من مصاديق ذلك الكلي. وغير خفي أن استعمال اللفظ الموضوع للكلي في الفرد الخاص منه - ولو كان فردا حقيقيا - مجاز، بل اللفظ يستعمل في الكلي، وهو ينطبق عليه طبعا، فلا تخلط.