وأيضا إن الهيئة بعث نحو المادة ومتعلقها، والبعث نحو الهداية كما يمكن أن يكون بداعي إيجادها، يمكن أن يكون بداعي إبقائها وإدامتها وأن يكون بداعي اشتدادها وتقويها، فإذا كان العبد الضال يدعوه لها، فهو ظاهر في أن ذلك بداعي إحداثها، وإذا كان الهادي يقول: " إهدنا "، فهو مثل قولك لمن هو مشغول بالأكل: " كل "، فإنه ليس مجازا، بل بداعي الاستدامة، أو للقارئ: " اقرأ "، أو للماشي: " امش "، وهكذا، من غير كون الهيئة ذات وضعين مستقلين، كما لا يخفى.
فبالجملة: الهداية بما هي من الطبائع متعلق الأمر، وبما أنها من حيث هي هي ليست مقصودة بالذات، فتكون الهيئة ذات داع اقتضى تعلقها بها حسب ما تقرر في الأصول من: أن الأوامر متعلقة بالطبائع دون الأفراد (1)، وإذا كان الداعي مثل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فالهيئة استعملت في البعث نحوها، إلا أن ذلك باعتبار الاشتداد في الهداية الموجودة، وغير خفي أن الاشتداد في الكمالات اللائقة به (صلى الله عليه وآله وسلم) عين الاشتداد في الهداية، كما يأتي في البحوث الآتية.
وقد تعرض بعض الكتب التفسيرية للجواب عن هذه الشبهة بما لا يرجع إلى محصل، مثل: أن المقصود هو الالتجاء والدعاء، دون الطلب الواقعي (2)، وكأنهم ظنوا أنه في هذه الصورة تكون الهيئة مهملة وغير مستعملة، أو مستعملة طبعا في معناها الواقعي من غير استشعار، وهذا