وأما قوله تعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق) * (1)، فالمفعول هناك محذوف، لأن النظر إلى المهدي إليه دون المهدي، وإلا فلا يعقل أن يهدي الرجل إلى الحق إلا مع وجود المهدي.
وتوهم: أن المقصود معناه اللازم فاسد جدا، لما في ذيله: * (أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى) *. هذا، مع أن الالتزام بتعدد المعنى يستلزم تعدد الوضع، وهو خلاف الأصل، فعلى هذا الهداية متعدية إلى المفعول الأول بنفسها.
ثانيهما: قد تقرر منا مرارا أن اللزوم والتعدية من طوارئ المعاني، وليست من عوارض الألفاظ، فمجرد الإتيان بالمفعول الثاني بدون وساطة الحروف، لا يكفي لكون اللفظ من المتعدي إلى المفعولين، ففي قولهم:
" هداه الله الطريق " حذف الجار، كما هو كثير في الاستعمالات والأساليب * (وجاؤوا أباهم عشاء يبكون) * (2) والضرورة قاضية بأن المجئ لازم، فقوله تعالى: * (يهديك صراطا مستقيما) * (3) محمول على تعدية الهداية بغير اللام و " إلى "، لأن معناه: أنه تعالى يهديهم إلى فضله ورحمته، أو إلى نفسه وذاته بالصراط المستقيم.
ومن الممكن أن يقال: إن قوله: * (صراطا مستقيما) * بدل أو عطف بيان، أي يهديهم إليه بهدايتهم إلى الصراط المستقيم، والله العالم.
ثم إن المعروف تقسيم الهداية إلى الهداية بمعنى إراءة الطريق،