أقول: وفي كليهما نظر:
أما في الأول: فلخلو كتب اللغة عن القيد المزبور، ولا يوجد فيها إلا تفسير الهداية بالإرشاد والدلالة، وأما لزوم كونها مقرونة باللطف، ومشفوعة بالتدلي والتطول، فهو مسكوت عنه. نعم في " تاج العروس " (1) فسر كلام " القاموس " (2) بذلك، وعلى الباحث النظر والتأمل فيه، وكأنه خارج عن اللغة، ولا يساعد عليه التبادر، ولا موارد الاستعمال.
وأما في الثاني: فلأن كتب اللغة مشحونة في تفسيرها بأنها الإرشاد إلى السبيل والطريق، ولا يستفاد منها كون حقيقة الهداية هي الإراءة إلى الخيرات والحسنات. نعم في الاستعمالات الشرعية وفي الأساليب يكثر ذلك إلا أنه لا يبلغ بعد إلى حد مهجورية المعنى الحقيقي واكتساء المعنى الآخر، ولذلك قيل: الهداية في الاستعمال الشرعي الدلالة إلى الحق والدعاء إليه وإراءة طريقه والإرشاد إليه والأمر به.
وأما توهم: أن بعضا منها فسر بالإرشاد والاسترشاد، قائلا: إنها ضد الضلال، وهو ظاهر في أنها موضوعة للمعنى الأخص، فهو في غير محله، لأن الإرشاد أيضا ليس معناه إلا الدلالة، وضدية الضلال ليست تستلزم كونها موضوعة للإرشاد إلى الخير الواقعي والحسنات، فلو سأل السارق عن البيت الذي يريد أن يسرق منه، فأشير إليه، يقال: هداه، وهي ضد الضلال، وضلاله هنا أن يشير إلى غير ذلك البيت، ولذلك ورد