بالعلوم الكلية القشرية، فيتجاوز عن حد الظلام، ويكسر جبل الأوهام، فيخاطب الله على ما يدركه من الإحاطة القيومية، ومن السلطنة الحقيقية، ومن الحضور بحضور فيضان ذاته، وإذا خلع جلباب البشرية وأدرك الآية الشريفة * (هو الظاهر) *، وتوجه إلى مقامات العارفين توجها خاصا لا يشار إليه ولا يرمز، فيحصل له أن الخطاب والمخاطب والمخاطب تختلف ولا تتخلف، وأيضا يناجي ربه ويقول: * (إياك نعبد) * بأنحاء العبادات القلبية والقالبية المعنوية والصورية، الباطنية والظاهرية، السرية والخفية والإخفائية، فيراعي جانبها في جميع نشأت وجوده، ويلاحظ أحكامها في شراشر مراتب حقيقته، فيضع جبهته على التراب، وهذه عبادة الأبدان، ويجعل عليه صورته، وهذه عبادة الأعيان البرزخية، ويخضع في قلبه بالتوجه التام، فهي عبادة رقيقة، ويخشع في مقامه الروحاني بروحه التجردي، فهي عبادة العقل الجزئي، وهكذا إلى أن لا يرى في عبادته العبادة ولا العابد، وهي عبادة الصديقين، الذين إذا يؤخذ من رجلهم الشوكة، لا يحس ولا يدرك الوجع ولا الألم، وهو أمير المؤمنين - عليه أفضل صلوات المصلين - فإذا قال: * (إياك نعبد) * مخلصا وخالصا ومخلصا لا غيرك في سلسلة العلل الطولية، ولو كان فيهم الواجب الوجود الآخر، الكامل في جميع الجهات، والجميل من كل الحيثيات، فإنه لا يعبد إلا أنت وحدك، ولا يعبد من كان في سلسلة المعاليل ولا ما كان فيها، ولو انتهى إلى نار الجحيم الشديد الأليم، فلا يعبد في السلسلتين الفاعلية والغائية إلا أنت وحدك، وهذا هو مولى المتقين الذي روي عنه: " ومنهم من يعبدك لما يجدك أهلا للعبادة، لا خوفا من النار،
(٦٦)