ولا يقف اشتهاء المرء المؤمن، ولا يسكن مقتضى الفطرة السليمة عنده، لأنها مفطورة على عشق الكمال المطلق والجمال الساري في الخلق من الحق، فما هو نهاية هذا الصراط الدقيق القاطع، وقد تبين أن مبدأه وابتداءه من هذه النشأة الناسوتية الملكية، ومن هذه الفطرة المخمورة السافلة التي رددناها أسفل سافلين، والتي كانت - حسب الظاهر في وجه - في أعلى عليين، ففي القوس النزولي بطي الصراط وصل إلى المادة السفلى، فلابد من طي هذا الطريق في القوس الصعودي، والطريقان مختلفان، حتى لا يلزم التكرار في التجلي، كما برهناه في محله، ويأتي في مقامه المناسب له.
فهذا الجسر الممدود على الدنيا والبرزخ والآخرة، من سنخ هذه النشآت، أولها الدنيوي ووسطها البرزخي وآخرها الروحاني، وفي القيامة العظمى من سنخ تلك النشأة، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الذات الأحدية الغيبية والواحدية الجمعية، فمن المتحرك السالك الواصل إلى المنتهى؟ فسيأتي عند قوله: * (الذين أنعمت عليهم) * إن شاء الله تعالى.
ثم إن هذا الصراط إذا انحفظت استقامته في الهداية التشريعية، فينهي سالكه إلى المقصود، وهو النجاة من النار والفوز بالجنة، وإذا انحفظت استقامته التكوينية في هذه النشأة، فربما يصل سالكه في أواسط السير أو أواخره إلى منتهاه، كالبرق اللامع، والمهم هو المحافظة على الاستقامة في هذه النشأة.