وامر به نبيه من بعده، وأوصاهم به من الاقرار بتوحيده، وعدله وتنزيهه عما لا يليق به " حنيفا " يعني مستقيما على منهاجه وسبيله. وقد بينا فيما مضى معنى الحنيف، فلا فائدة في إعادته، وبمثل ذلك قال الضحاك، وغيره من المفسرين.
وقوله: " واتخذ الله إبراهيم خليلا " ومعنى الخليل يحتمل أمرين:
أحدهما - المحبة، مشتقا من الخلة بضم الخاء والمعنى اتخذ الله إبراهيم محبا وتكون خلة إبراهيم: موالاته لأولياء الله ومعاداته لأعدائه. وخلة الله له نصرته على من اراده بسوء مثل ما أراد نمرود من احراقه بالنار، فأنقذه الله منها، وأعلى حجته عليه. وكما فعل بملك مصر حين راوده عن أهله، وجعله اماما لمن بعده من عباده، وقدوة لهم.
والثاني - أن يكون ذلك مشتقا من الخلة التي هي الفقر بفتح الخاء - كما قال زهير يمدح هرم بن سنان:
وان أتاه خليل يوم مسألة * يقول لا غائب مالي ولا حرم (1) ويروى يوم مسغبة وهو الأظهر وإنما انشد البلخي يوم مسألة، وهو بخلاف الروايات. وقال آخر:
واني وان لم تسعفاني بحاجة * إلى آل ليلى مرة لخليلي (2) أي لمحتاج. وقيل: انه أصاب أهل ناحية إبراهيم (ع) جدب، فارتحل إلى خليل له من أهل مصر يلتمس طعاما لأهله من قبله، فلم يصب عنده حاجته، فلما قرب من أهله مر بمفازة ذات رمل لينة فملا غرائره (3) من ذلك الرمل لئلا يغم أهله برجوعه بغير ميرة (4)، فيظنوا ان معه طعاما فحول الله تعالى غرائره دقيقا، فلما وصل إلى أهله قام أهله، ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقا، فعجنوا منه، فخبزوا فاستيقظ