والتمكين من الفعل الذي يصح معه التكليف. ولا يجوز أن يكون المراد به بأمر الله، لأنه خلاف الاجماع، لان أحدا لا يقول: إن الله يأمر المشركين بقتل المؤمنين، ولا انه يأمر بشئ من القبائح، ولان الامر بالقبيح قبيح، لا يجوز أن يفعله الله تعالى. ويمكن أن يحمل مع تسليم أنه بأمر الله بأن يكون ذلك مصروفا إلى المنهزمين المعذورين بعد اخلال من أخل بالشعب، وضعفهم عن مقاومة عدوهم، وان حمل على الجميع أمكن أن يكون ذلك بعد تفرقهم وتبدد شملهم وانفساد نظامهم، لان عند ذلك أذن الله في الرجوع وألا يخاطروا بنفوسهم وقوله: (وليعلم المؤمنين) ليس معناه أن الله يعلم عند ذلك ما لم يكن عالما به، لأنه تعالى عالم بالأشياء قبل كونها وإنما معناه، وليتميز المؤمنون من المنافقين إلا أنه أجرى على المعلوم لفظ العلم مجازا على المظاهرة في المجازاة بالقول على ما يظهر من الفعل من جهة أنه ليس يعاملهم بما في معلومه أنه يكون منهم إن بقوا، بل يعاملهم معاملة من كأنه لا يعلم ما يكون منهم حتى يظهر. ليكونوا على غاية الثقة بأن الله إنما يجازي بحسب ما وقع من الاحسان أو الإساءة.
فان قيل: هل يجوز أن يقول القائل: المعاصي تقع بإذن الله، كما قال:
(ما أصابكم) من ايقاع المشركين بكم (بإذن الله)؟ قلنا: لا يجوز ذلك لان الله تعالى إنما خاطبهم بذلك على وجه التسلية للمؤمنين، فدل ذلك على أن الاذن المراد به التمكين ليتميزوا بظهور الطاعة منهم. وليس كذلك قولهم: المعاصي بإذن الله، لأنه لما عري من تلك القرينة صار بمعنى إباحة الله، والله تعالى لا يبيح المعاصي، لأنها قبيحة، ولان إباحتها تخرجها من معنى المعصية. والفاء إنما دخلت في قوله:
(فبإذن الله) لان خبر (ما) التي بمعنى الذي يشبه جواب الجزاء، لأنه معلق بالفعل في الصلة كتعليقه بالفعل في الشرط، كقولك الذي قام فمن أجل أنه كريم أي، لأجل قيامه صح أنه كريم. ومن أجل كرمه قام. وقد قيل أن (ما) هي بمعنى الجزاء، ولا يصح ههنا لان الفعل بمعنى المضي.