قوله تعالى:
(وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره إلى قوله.. الظالمين).
اعلم الله تعالى في هذه الآية المؤمنين ان المنافقين يهزءون بكتاب الله الذي هو القرآن، وأمرهم ان لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا، يعني يأخذوا في حديث غير القرآن، ثم قال: انكم ان جالستموهم على الخوض في كتاب الله والهزء به، فأنتم مثلهم، وإنما حكم بأنهم مثلهم متى رضوا بما هم فيه، ولم ينكروا عليهم مع القدرة على الانكار، ولم يظهروا كراهية، فإنهم متى كانوا راضين بالكفر، كانوا كفارا، لان الرضاء بالكفر كفر. وفي الآية دلالة على وجوب انكار المنكر مع القدرة على ذلك، وزوال العذر عنه. وإن من ترك ذلك مع القدرة عليه كان مخطئا آثما. وكذلك فيها دلالة على أنه لا يجوز مجالسة الفساق، والمبتدعين من اي نوع كان. وبه قال جماعة من المفسرين. ذهب إليه أبو وائل، وإبراهيم وعبد الله. وقال إبراهيم: من ذلك إذا تكلم الرجل في مجلس بكذب، يضحك منه جلساؤه، فسخط الله عليهم. وبه قال عمر بن عبد العزيز وقيل: إنه ضرب صائما كان قاعدا مع قوم يشربون الخمر. وقال ابن عباس: امر الله بذلك الانفاق، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، والمراء والخصومة وبه قال الطبري والجبائي والبلخي وجماعة من المفسرين.
قال أبو علي الجبائي: اما الكون بالقرب منهم بحيث يسمع صوتهم ولا يقدر على انكاره، فليس بمحظور، وإنما المحظور مجالستهم من غير اظهار كراهية ما سمعه أو يراه. وقوله: " إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا " ومعناه ان الله يجمع الفريقين من أهل الكفر، والنفاق في القيامة في النار. والعقوبة فيها كما اتفقوا في الدنيا على عداوة المؤمنين، والمؤازرة عليهم. قال الجبائي: في الآية دلالة على بطلان قول الأصم، ونفاة الاعراض وقولهم: انه ليس ها هنا غير الأجسام، لأنه