فمن الله، لأنه الذي عرضك للثواب، وأعانك عليها. وما أصابك من عقاب سيئة فمن نفسك، لأنه تعالى نهاك عنها، وزجرك عن فعلها. فلما ارتكبتها كنت الجاني على نفسك. وإنما احتاج إلى التقدير، لان ما أصابك ليس هو ما أصبته. ويجوز أن يكون المراد بالسيئة ما يصيبهم في دار الدنيا من المصائب، لأنه لا يجوز أن يكون ذلك عقابا أو بعض ما يستحقونه. وقوله: " فمن نفسك " معناه فبذنبك في قول الحسن، وقتادة، والسدي، وابن جريج، والضحاك. قال البلخي: مصيبة هي كفارة ذنب صغير، أو عقوبة ذنب كبير. ويحتمل أن يكون المراد أو تأديب وقع لأجل تفريط. فان قيل: كيف عاب قول المنافقين في الآية الأولى، لما قالوا إذا أصابتهم حسنة انها من عند الله، وإذا إصابتهم سيئة، قالوا هذه من عندك.
وقد أثبت مثله في هذه الآية؟ قلنا عنه جوابان:
أحدهما - ان ذلك على وجه الحكاية. والتقدير يقولون: ما أصابك من حسنة، فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك. ويكون (يقولون) محذوفا، لدلالة سياق الكلام عليه.
الثاني - ان معناهما مختلف، فالأول عند أكثر أهل العلم ان المراد به النعمة، والمصيبة من الله تعالى. وفي الآية الثانية المراد به الطاعة، والمعصية. فلما اختلف معناهما، لم يتناقضا. ويكون وجه ذكر هذه الآية عقيب الأولى ألا يظن ظان ان الطاعات والمعاصي من فعل الله، لما قال في الآية الأولى: (قل كل من عند الله) وفي الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة، لأنه تعالى قال: " فمن نفسك " فأضاف المعصية إلى العبد ونفاها عن نفسه تعالى. ولو كانت من خلقه، لكانت منه على أوكد الوجوه. ولا ينافي ذلك قوله في الآية الأولى " كل من عند الله " لأنا بينا وجه التأويل فيه. قال الرماني: وفي الآية دلالة على أنه تعالى، لا يفعل الألم إلا على وجه اللطف، أو العقاب دون العوض فقط، لان المصائب إذا كانت كلها من قبل ذنب العبد، فهي اما عقوبة، واما من قبل تأديب المصلحة.
وقوله: (وأرسلناك للناس رسولا) معناه من الحسنة ارسالك يا محمد (صلى