للنفي، والاثبات. وكان ينبغي أن يقول: " إن الله لا يغفر " المعاصي إلا بالتوبة ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول الحكيم أنا لا أعطي الكثير من مالي تفضلا، وأعطي القليل إذا استحق علي، لأنه كان يجب أن يقول: أنا لا أعطي شيئا من مالي إلا إذا استحق علي كيف وفي الآية ذكر العظيم الذي هو الشرك، وذكر ما هو دونه؟
والفرق بينهما بالنفي والاثبات، فلا يجوز ألا يكون بينهما فرق من جهة المعنى. فان قيل: نحن نقول: إنه يغفر ما دون الشرك من الصغائر من غير توبة. قلنا: هذا فاسد من وجهين.
أحدهما - انه تخصيص، لان ما دون الشرك يقع على الكبير والصغير. والله تعالى أطلق أنه يغفر ما دونه، فلا يجوز تخصيصه من غير دليل.
الثاني - ان الصغائر تقع محبطة فلا يجوز المؤاخذة بها عند الخصم وما هذا حكمه لا يجوز تعليقة بالمشيئة وقد علق الله تعالى غفران ما دون الشرك بالمشيئة، لأنه قال: " لمن يشاء " فان قيل: تعليقة بالمشيئة يدل على أنه لا يغفر ما دون الشرك قطعا. قلنا: المشيئة دخلت في المغفور له لا فيما يغفر، بل الظاهر يقتضي انه يغفر ما دون الشرك قطعا، لكن لمن يشاء من عباده، وبذلك تسقط شبهة من قال القطع على غفران ما دون الشرك من غير توبة، اغراء بالقبيح الذي هو دون الشرك، لأنه إنما يكون اغراء لو قطع على أنه يغفر ذلك لكل أحد. فاما إذا علق غفرانه لمن يشاء، فلا اغراء لأنه لا أحد إلا وهو يجوز أن يغفر له، كما يجوز أن يؤاخذ به فالزجر حاصل على كل حال، ومتى عارضوا هذه الآية بآيات الوعيد كقوله:
" ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا " (1) وقوله: " ومن يعص الله ورسوله " ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها " (2) وقوله: " إن الفجار لفي جحيم " (3) كان لنا أن نقول: العموم لا صيغة له، فمن أين لكم أن المراد به جميع العصاة ثم نقول نحن نخص آياتكم بهذه الآية ونحملها على الكفار. فمتى قالوا لنا: بل نحن نحمل