كان الورثة كبارا ارضخوا لهم، وإن كانوا صغارا قال وليهم: إني لست أملك هذا المال، وليس لي، إنما هو للصغار، فذلك قوله: (وقولوا لهم قولا معروفا) وبه قال السدي، وابن عباس. واختلفوا فيمن المأمور [بقول] (1) المعروف، فقال سعيد بن جبير: أمر الله يقول الولي الذي لا يرث، للمذكورين قولا معروفا، ويقول: إن هذا لقوم غيب أو يتامى صغار، ولكم فيه حق، ولسنا نملك أن نعطيكم منه. وقال قوم: المأمور بذلك الرجل الذي يوصي في ماله، والقول المعروف: أن يدعو لهم بالرزق والغنى، وما أشبه ذلك. وروي عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وابن زيد: أن الآية في الوصية، على أن يوصوا للقرابة، ويقولوا لغيرهم قولا معروفا. ومن قال إنها على الوجوب، قال: لا يعطي من مال اليتيم شيئا، ويقول قولا معروفا، ذهب إليه ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، والسدي. وروى ابن علية، عن عبيدة، أنه ذبح شاة من مال اليتيم، وقسمه بينهم، وقال: كنت أحب أن يكون من مالي لولا هذه الآية. وعمل ابن سيرين في مال اليتيم ما عمل عبيدة، وأقوى الأقوال أن يكون الخطاب متوجها إلى الوراث البالغين، لان فيه أمرا بالرزق لمن حضر، ولم يخاطب الله من لا يملك أن يخرج من مال غيره شيئا، فكأن الله تعالى حث هؤلاء، ورغبهم في أن يجعلوا للحاضرين شيئا مما يحقهم (2)، ويقولوا لهم قولا، معروفا، فيصير ردا جميلا، من غير تأفف، ولا تضجر، وكذلك لو قلنا إنها متوجهة إلى الموصي، لكان محمولا على أنه يستحب له أن يوصي لهؤلاء بشئ من ماله، ما لم يزد على الثلث، فإن لم يختر ذلك قال لهم قولا جميلا، لا يتألمون منه، ولا يغتمون به.
وفي الآية حجة على المجبرة، لأنه تعالى قال: " فارزقوهم " وفيه دلالة على أن الانسان يرزق غيره على معنى التمليك، وأن الله لا يرزق حراما، لأنه لو رزقه لخرج برزقه إياه من أن يكون حراما، ومثله قوله: " وهو خير الرازقين ".