الذي ذكرنا، وأوجب إلحاقها بالأصل الثاني، وهو أن الله تعالى لما قال: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)، وروى عن السلف، أنه أراد: من الحيض والحبل، وعن أبي بن كعب أنه قال: " من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها "، دل وعظه إياها، ونهيه لها عن الكتمان، على قبول قولها في براءة رحمها من الحبل، وشغلها به، ووجود الحيض وعدمه، كما قال تعالى في الذي عليه الدين: (فليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا)، فوعظه ونهاه عن البخس والنقصان، علم أن المرجع إلى قوله في مقدار الدين، فصارت الآية التي قدمنا أصلا في قبول قول المرأة، إذا قالت: أنا حائض، وتحريم وطئها في هذه الحال، فإنها إذا قالت: قد طهرت، حل لزوجها قربها، وكذلك إذا قالت، وهي معتدة: قد انقضت عدتي، صدقت في ذلك، وانقطعت رجعة الزوج عنها، وانقطاع الزوجية بينهما، وكان المعنى في ذلك أن انقضاء العدة بالحيض معنى يخصها، ولا يعلم إلا من جهتها، فيوجب على ذلك إذا قال الزوج: إذا حضت، فأنت طالق، فقالت: قد حضت، أن تصدق في باب وقوع الطلاق عليها، كما صدقت في انقضاء العدة، مع إنكار الزوج، لان ذلك معنى يخصها، أعني أن الحيض لا يعلم وجوده إلا من جهتها، ولا يطلع عليه غيرها، ولأجل ذلك أنها لا تصدق على وجود الحيض، إذا علق به طلاق غيرها، أو علق به عتق العبد، لأنه إنما جعل قولها كالبينة في الاحكام التي تخصها، دون غيرها، ألا ترى أنهم قالوا: إن الزوج لو قال: قد أخبرتني أن عدتها انقضت، وأنا أريد أن أتوج أختها، كان له ذلك، ولا تصدق هي على بقاء العدة ى حق غيرها، وتكون عدتها باقية في حقها، ولا تسقط نفقتها، فصار كقولها: قد حضت، وله حكمان: أحدهما: فيما يخصها، ويتعلق بها، وهو طلاقها، وانقضاء عدتها، وما رى مجرى ذلك، فيجعل قوله فيه كالبينة. والآخر: في طلاق غيرها، أو عتق العبد، فصارت في هذه الحال شاهدة، كاخبارها بدخول الدار، وكلام زيد إذا علق به العتق، أو الطلاق، ا ه.
ثم ضرب أبو بكر الرازي أمثالا كثيرة، مما يكون فيه لقولها حكمان من الوجهين، وأجاد في ذكر النظائر، إلى أن أتى در الكلام في القسم الآخر من الاستحسان، وهو تخصيص الحكم مع وجود العلة، وشرحه شرحا ينثلج به الصدر، ولا يدع شكا لمرتاب، في أن هذا القسم من الاستحسان، مقرون أيضا في جميع الفروع، بدلالة ناهضة، من نص. أو إجماع. أو قياس آخر يوجب حكما سواه في الحادثة، وهذا القدر يكفي في لفت النظر، إلا أن قول الخصوم في الاستحسان بعيد عن الوجاهة.
شروط قبول الاخبار يرى الحنفية قبول الخبر المرسل إذا كان مرسلة ثقة، كالخبر المسند، وعليه جرت جمهرة فقهاء الأمة، من الصحابة. والتابعين. وتابعيهم، إلى رأس المائتين، ولا شك أن