صحيحا في معناه، إلا أن جميع ما احتج به في إبطال الاستحسان هو بعينه يبطل القياس، فصح به عندي بطلانه "، كأنه لم يرد أن يبقى في مذهب يهد بعضه بعضا، فانتقل إلى مذهب يبطلهما معا، لكن القياس. والاستحسان كلاهما بخير، لم يبطل واحد منهما بالمعنى الذي يريده القائلون بهما، بل الخلاف بين أهل القياس في الاستحسان، لفظي بحت، وأود أن أسوق بعض كلمات من فصول أبى بكر الرازي، لتنوير المسألة، لأنه من أحسن من تكلم فيه باسهاب مفهوم - فيما أعلم -، وهو يقول في الفصول في بحث الاستحسان: " وجميع ما يقول فيه أصحابنا بالاستحسان، فإنهم قالوه مقرونا بدلائله وحججه، لا على جهة الشهوة، واتباع الهوى، ووجوه دلائل مسائل الاستحسان موجودة في الكتب التي عملناها، في شرح كتب أصحابنا، ونحن نذكر هنا جملة تفضى بالناظر فيها إلى معرفة حقيقة قولهم في هذا الباب، بعد تقدمة القول في جواز إطلاق لفظ الاستحسان، فنقول: لما كان ما حسنه الله تعالى بإقامته الدلائل على حسنه، مستحسنا جاز لنا إطلاق لفظ الاستحسان، فيما قامت الدلالة بصحته، وقد ندب الله تعلى إلى فعاله، وأوجب الهداية لفاعله، فقال عز من قائل:
(فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب) وروى عن ابن مسعود، وقد روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ما رآه المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئا، فهو عند الله سيئ "، فإذا كنا قد وجدنا لهذا اللفظ أصلا في الكتاب. والسنة، لم يمنع إطلاقه في بعض ما قامت عليه الدلالة بصحته على جهة تعريف المعنى وإفهام المراد...
ثم ليس يخلو العائب للاستحسان من أن ينازعنا في اللفظ، أو في المعنى، فان نازعنا في اللفظ، فاللفظ مسلم له، فليعبر هو بما شاء، على أنه ليس للمنازعة في اللفظ وجه، لان لكل أحد أن يعبر عن المعنى بما عقله من المعنى، بما شاء من الألفاظ، لا سيما بلفظ يطابق معناه في الشرع، وفى اللغة، وقد يعبر الانسان عن المعنى بالعربية تارة، وبالفارسية أخريه، فلا ننكره، وقد أطلق الفقهاء لفظ الاستحسان في كثير من الأشياء، وقد روى عن إياس بن معاوية أنه قال: " قيسوا القضاء، ما صلح الناس، فإذا فسدوا، فاستحسنوا "، ولفظ الاستحسان موجود في كتب مالك بن أنس، وقال الشافعي:
أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين درهما، فسقط بما قلنا، المنازعة في إطلاق الاسم، أو منعه، وإن نازعنا في المعنى، فإنما لم يسلم خصمنا تسليم المعنى لنا، بغير دلالة، وقد اصطحب جميع المعاني التي نذكرها، مما ينتظمه لفظ الاستحسان، عند أصحابنا، إقامة الدلالة على صحته، وإثباته بحجته، ولفظ الاستحسان يكتنفه معنيان:
أحدهما: استعمال الاجتهاد. غلبة الرأي في إثبات المقادير، الموكولة إلى اجتهادنا وآرائنا، نحو تقدير متعة المطلقات، قال الله تعالى: (فمتعوهن، على الموسع قدره،