بعضها وقد حكى لنا مشايخنا ان الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شئ في الجهر فصنف فيه جزاءا فاتاه بعض المالكية فاقسم عليه ان يخبره بالصحيح من ذلك فقال كل ما روى عن النبي صلى الله عليه ويلم في الجهر فليس بصحيح واما عن الصحابة: فمنه صحيح وضعيف ثم تجرد الإمام أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر فأزرى كل على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف وقد بينا عللها وخللها ثم انا بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين اما ان يكون جهر بها للتعليم أو جهر بها جهرا يسيرا يسمعه من قرب منه والمأموم إذا قرب من الامام أو حاذاه سمع ما يخافته ولا يسمى ذلك جهرا كما ورد انه كان يصلى بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانا والثاني ان يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر فقد روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن جبير ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وكان مسيلمة يدعي رحمن اليمامة فقال أهل مكة انما يدعو اله اليمامة فأمر الله رسوله باخفائها فما جهر بها حتى مات فهذا يدل على نسخ الجهر قال: ومنهم من سلك في ذلك مسلك البحث والتأويل فقال إن أحاديث الجهر تقدم على أحاديث الإخفاء بأشياء: أحدها بكثرة الرواة فان أحاديث الخفاء رواها اثنان من الصحابة أنس بن مالك وعبد الله بن مغفل وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابيا والثاني ان أحاديث الإخفاء شهادة على نفي وأحاديث الجهر شهادة على اثبات والاثبات مقدم على النفي كما تقدم قول بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت على قول أسامة وغيره انه لم يصل قالوا وبان أنسا قد روى عنه إنكار ذلك في الجملة فروى احمد والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد أبي مسلمة قال: سألت أنسا أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو الحمد لله رب العالمين قال: انك لتسألني عن شئ ما أحفظه أو ما سألني عنه أحد قبلك قال الدارقطني إسناده صحيح قلنا: اما اعتراضهم بكثرة الرواة فالاعتماد على كثرة الرواة انما يكون بعد صحة الدليلين وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح بخلافه حديث الإخفاء فإنه صحيح صريح ثابت مخرج في الصحاح والمسانيد المعروفة والسنن المشهورة مع أن جماعة من الحنفية لا يرون الترجيح بكثرة الرواة وهو قول ضعيف لبعد احتمال الغلط على العدد الأكثر ولهذا جعلت الشهادة على الزنا أربعة لأنه أكبر الحدود وأحاديث الجهر وان كثرت رواتها لكنها كلها ضعيفة وكم من حديث
(٤٨٣)