طبقته من القول: بان أهل الرأي أعداء السنن، فبمعنى الرأي المخالف للسنة المتوارثة في المعتقد يعنون به الخوارج. والقدرية. والمشبهة. ونحوهم من أهل البدع، لا بمعنى الاجتهاد في فروع الاحكام، وحمله على خلاف ذلك تحريف للكلم عن مواضعه، فكيف! والنخعي نفسه. وابن المسيب نفسه من أهل القول بالرأي في الفروع، رغم انصراف المتخيلين، خلاف ذلك. ويحاول ابن حزم أن يكذب كل ما يروى عن الصحابة في القياس، لا سيما حديث عمر، مع أن الخطيب. وغيره يروون عنه بطرق كثيرة، بألفاظ متقاربة، وكذا عن باقي الصحابة، قال الخطيب، بعد أن روى حديث معاذ في اجتهاد الرأي في " الفقيه والمتفقه ": وقول الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ، يدل على شهرة الحديث، وكثرة رواته، وقد عرف فضل معاذ، وزهده والظاهر من حال أصحابه، الدين. والثقة. والزهد. والصلاح، وقد قيل: إن عبادة بن نسي، رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد تقبلوه، واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، ا ه. ومثله بل ما هو أو في منه، مذكور في فصول أبى بكر الرازي، وقد سبقت كلمته في " نفاة القياس "، وليس هذا موضع بسط لذلك، فليراجع فصول أبى بكر الرازي. و " الفقيه والمتفقه " - للخطيب، من أراد معرفة طرق الروايات القاضية على مجازفات الظاهرية، وأذيالهم، ولعل هذا القدر كاف هاهنا.
الاستحسان ظن أناس ممن لم يمارس العلم، ولم يؤت الفهم، أن الاستحسان عند الحنفية هو الحكم بما يشتهيه الانسان، ويهواه، ويلذه، حتى فسره ابن حزم في " أحكامه " بأنه ما اشتهته النفس ووافقها، خطا، كان، أو صوابا، لكن لا يقول بمثل هذا الاستحسان فقيه من الفقهاء، فلو كان هذا مراد الحنفية بالاستحسان، لكان للمخالفين، ملء الحق، في تقريعهم، والرد عليهم، إلا أن المخالفين ساءت ظنونهم، وطاشت أحلامهم، ففوقوا سهاما إليهم، ترتد إلى أنفسهم، وذلك لتقاصر أفهامهم عن إدراك مرامهم، ودقة مدرك هذا البحث في حد ذاته، وليس بين القائلين بالقياس من لا يستحسن بالمعنى الذي يريده الحنيفة، وهذا الموضع لا يتسع لذكر نماذج من مذاهب الفقهاء، في الاخذ بالاستحسان، وإبطال الاستحسان ما هو إلا سبق قلم ممن الإمام الشافعي رضي الله عنه، فلو صحت حججه في إبطال الاستحسان، لقضت على القياس الذي هو مذهبه، قبل أن يقضى على الاستحسان.
ومن الحكايات الطريفة في هذا الباب، ما يروى عن إبراهيم بن جابر، أنه لما سأله أحد كبار القضاة في عهد المتقى لله العباسي، عن سبب انتقاله من مذهب الشافعي إلى مذهب أهل الظاهر، جاوبه قائلا: " إني قرأت إبطال الاستحسان للشافعي، فرأيته