الثامن: أن النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ والإذن لمن أمن منه (1).
والاتكال على الكتابة لا يصير سببا للمنع والتحريم، والحفظ عن ظهر القلب ليس واجبا عقلا وشرعا، وإنما الواجب هو حفظ الدين من الضياع بالكتابة أو بالحفظ عن ظهر القلب، وقدرتهم على الحفظ عن ظهر القلب لم يكن من المصالح الملزمة التي توجب حكما خاصا.
وبعد ذلك كله كلمات أبي سعيد وغيره من المانعين لم يكن مستندا إلى النهي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، بل ظاهر عملهم وكلامهم أن هذا كان عن اجتهاد منهم لعلل ذكروها - كما تقدم - أو لعلة واهية واقعية مكتومة وأسرار حقيقية مكنونة - سيأتي بيانها - فهذه التوجيهات الواهية من المانعين عن الكتابة أو أتباعهم لا تصلح تبريرا لعملهم، بل قول أبي سعيد راوي الحديث " ما كنا نكتب غير التشهد والقرآن " (2) يؤيد عدم وجود النهي عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، إذ لافرق بين التشهد وغيره من العلوم كما قال الخطيب (3).
الأمر الثاني: التقليد في التعليل:
نقل عن الخليفة عمر بن الخطاب في منعه الصحابة عن كتابة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإحراقه صحائف الصحابة وكتبهم بيان علل المنع تارة بما تقدم:
" إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ".
" إني والله لا أشوب كتاب الله بشئ ".