كما أن في التعليل الواردة في حديث أبي هريرة إلى العلة التي ذكرتها قريش حينما نهوا عبد الله بن عمرو: " إنك تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا " فنسب أبو هريرة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث أنه قال " إنما أنا بشر " أي نهى عن الكتابة، لأنه بشر يغضب ويرضى ويتكلم بالباطل، كما جعلوا في تأييد مسلك قريش أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " اللهم فإنما أنا بشر، فأيما مسلم لعنته أو آذيته فاجعلها له زكاة وقربة " (1).
ومن العجيب أنهم نسبوا النهي عن كتابة الحديث إلى علي (عليه السلام) وابن عباس مع ما عرفت من كتبهم الكثيرة (2).
وبعد ذلك كله لا يبقى مجال للتكلم في جمع الوجه بين الأحاديث، وإن أتعب أنصار الخليفة أنفسهم في الجمع بين الروايات، ولا بأس بنقل كلامهم على نحو الاختصار:
فأقول: ذكروا في الجمع بين الأخبار الآمرة بالكتابة والناهية عنها بوجوه:
الأول: أنه من منسوخ السنة بالسنة يعنى أنه (صلى الله عليه وآله) نهى في أول الإسلام مخافة اختلاط الحديث بالقرآن، فلما كثر عدد المسلمين وعرفوا القرآن معرفة رافعة للجهالة وميزوه من الحديث زال خوفهم، فنسخ الحكم الذي كان مترتبا عليه وصار إلى الجواز (3).