" وكان (صلى الله عليه وآله) يخاطب كل قوم ويكاتبهم بلغتهم، وذلك من أنواع بلاغته، فكان يتكلم مع كل ذي لغة غريبة بلغته، ومع كل ذي لغة بليغة بلغته، اتساعا في الفصاحة، واستحداثا للألفة والمحبة، فكان يخاطب أهل الحضر بكلام ألين من الدهن، وأرق من المزن، ويخاطب أهل البدو بكلام أرسى من الهضب، وأرهف من العضب ".
وعليك بالقياس بين طائفتين من كلماته الشريفة، كي يتضح الحال، قال (صلى الله عليه وآله) في بعض مقاماته: " إن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد (صلى الله عليه وآله)، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص القرآن " (1). وقال في الدعاء لبني نهد بن زيد: " اللهم بارك لهم في محضها ومخضها، ومذقها، وابعث راعيها في الدثر، ميانع الثمر، وافحر له، وبارك له في المال والولد (2)... " فإنك تجد بينهما بونا بعيدا، فما ترى في بعض كتبه وكلماته لفظا غريبا وحشيا يخل بالفصاحة فهو غريب وحشي بالنسبة إلى غير المخاطبين، وأما بالنسبة إلى المخاطبين فهو لفظ مستعمل مأنوس، لأنهم كانوا يكثرون استعمال هذه الألفاظ.
وإليك من كلماتهم ما يعلم منه حالهم:
1 - لما وفد إليه همدان قام خطيبهم وقال: يا رسول الله، نصية من همدان، من كل حاضر وباد، على قلص نواج، متصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذه في الله لومة لائم، من مخلاف خارف، ويام، وشاكر، أهل السود، والقود إلى آخر ما سيأتي.
2 - وقام خطيب بني نهد فقال: يا رسول الله، أتيناك من غورى تهامة، بأكوار الميس، ترتمي بنا العيس، نستحلب الصبير، ونستخلب الخبير، ونستعضد البرير، ونستخيل الرهام، ونستجيل الجهام، من أرض عائلة النطاء، غليظة