والصينية في يدي وقمت، وجعلت أتلفت إلى ورائي مخافة ان أمنع من الذهاب فبينما أنا كذلك وقد وصلت إلى صحن الدار ويحيى يلاحظني فقال للخادم: اثنتي بهذا الرجل. فأتيته فقال: مالي أراك تلتفت يمينا وشمالا فقصصت عليه قصتي. فقال للخادم: ائتني بولدي موسى. فأتاه به، فقال له:
يا بنى هذا رجل غريب فخذه إليك واحفظه بنفسك وبنعمتك. فقبض موسى ولده على يدي وأدخلني إلى دار من دوره فأكرمني غاية الاكرام وأقمت عنده يومى وليلتي في ألذ عيش وأتم سرور. فلما أصبح دعا بأخيه العباس، وقال له الوزير: أمرني بالعطف على هذا الفتى وقد علمت اشتغالي في بيت أمير المؤمنين فاقبضه إليك وأكرمه ففعل ذلك وأكرمني غاية الاكرام، ثم لما كان من الغد تسلمني أخوه أحمد فلم أزل في أيدي القوم يتداولوني مدة عشرة أيام لا أعرف خبر عيالي وصبياني أفي الأموات هم أم في الاحياء، فلما كان اليوم الحادي عشر جاءني خادم ومعه جماعة من الخدم فقالوا: قم أخرج إلى عيالك بسلام. فقلت وا ويلاه سلبت الدنانير والصينية واخرج على هذه الحالة إنا لله وإنا إليه راجعون فرفع الستر الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، وقال لي مهما كان لك من الحوائج فارفعها إلى فانى مأمور بقضاء جميع ما تأمرني به. فلما رفع الستر الأخير رأيت حجرة كالشمس حسنا ونورا واستقبلني منها رائحة الند والعود ونفحات المسك، وإذا بصبياني وعيالي يتقلبون في الحرير والديباج وحمل إلى مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، ومنشور بضيعتين وتلك الصينية التي كنت أخذتها بما فيها من الدنانير والبنادق. وأقمت يا أمير المؤمنين مع البرامكة في دورهم ثلاث عشر سنة لا يعلم الناس أمن البرامكة أنا أم رجل غريب. فلما جائتهم البلية ونزل بهم يا أمير المؤمنين من الرشيد ما نزل أجحف بي عمرو بن مسعدة، وألزمني في هاتين الضيعتين من الخراج مالا يفي دخلهما به، فلما تحامل على الدهر كنت في أخر الليل أقصد خرابات دورهم فاندبهم واذكر حسن صنيعهم إلى وأبكى على إحسانهم. فقال المأمون: على بعمرو بن مسعدة فلما أتى به