يتحرك من مكانه، وهممت أن أجرد السيف وأقطعه به ثم قلت أتعجل شرا لا أدرى عاقبته، ولا منفعة لي في قتله لأني سأتلف في هذه البئر وهي قبري فما معنى قتل الأفعى أدعه فلعله أن يبتدئ بالنهش فأتعجل التلف، ولا أرى نفسي تخرج بالجوع والعطش فأقمت يومى كله على ذلك، والأفعى لم تتحرك، وأنا أبكى وأنوح على نفسي. وقد يئست من الحياة فلما كان من الغد أصبحت وقد ضعفت. فحملني حب الحياة على الفكر في الخلاص فقمت وجمعت من الحجارة الرقيقة شيئا كثيرا، ووضعتها في وسط الجب وعلوتها لتنال يدي طرف البئر فاحمل نفسي إلى رأسها فحين وضعت رجلي على الحجارة انهالت لرقتها وملاستها فلم أعد عملها، وأمضيت يومى كله وأنا مشتغل البال، وجاء الليل فلم يمكني أن أقوم من الجوع والضعف ثم حملني النوم. فلما كان من الغد فكرت في حيلة أخرى، ووقع لي أن شددت المقرعة التي معي بعلاقتها في حمائل السيف ودليت المقرعة إلى داخل البئر، وقد أمسكت بإحدى يدي فحصل جفن السيف فوق الجب معترضا لرأسه، وهي مدلاة إلى ثم سللت السيف. ولم أزل أقلع من أرض البئر ما يمكن نحته، وقلعه من تراب قليل ثم غيبت ذلك الرضراض وتعلقت على السيف المعترض وظفرت، وصار السيف معترضا في جفنه تحت صدري وظهرت يداى في البئر فحصل جوانبها تحت إبطي واستللت نفسي فإذا أنا قد خرجت منها بعد أن أعوج السيف، وكاد يندق ويدخل في بطني لثقلي عليه فوقفت خارج البئر مغشيا على من هول ما نالني، ووجدت أسناني قد اصطكت وقوتي قد بطلت عن المشي. فما زلت أحبو وأطلب المحجة حتى وقفت عليها، ورأني قوم مجتازون فأخذوا بيدي، وقوى قلبي فمشيت حتى دخلت سنجار آخر النهار، وقد بلغت روحي إلى حد التلف.
فدخلت مسجدا فطرحت نفسي فيه، وأنا لا أشك في الموت وحضرت صلاة المغرب واجتمع أهل المسجد فيه وسألوني عن خبري فلم يكن في مقدرة على الكلام فحملوني إلى بيت أحدهم، ولم يزالوا يصبون على حلقي الماء ثم المرق والثريد إلى أن فتحت عيني بعد العتمة فتكلمت وبت ليلتي بحال عظيم من الألم فلما كان من الغد دخلت الحمام، وأقمت عندهم أياما حتى برأت وأخرجت