كان والده علي بن الحسين - رحمهما الله - شيخ القميين وثقتهم في عصره وفقيههم ومتقدمهم في مصره مع أن بلدة قم يومئذ تعج بالأكابر والمحدثين، وهو - قدس الله سره - مع مقامه العلمي ومرجعيته في تلك البدة وغيرها كان تاجرا له دكة في السوق يتجر فيها بزهد وعفاف وقناعة بكفاف، وكان فقيها معتمدا له كتب ورسائل في فنون شتى ذكرها الطوسي والنجاشي، وقال ابن النديم في الفهرست: " قرأت بخط ابنه محمد بن علي على ظهر جزء: " قد أجزت لفلان بن فلان كتب أبي وهي مائتا كتاب وكتبي وهي ثمانية عشر كتابا ". فبيته بيت العلم والفضل والزعامة الروحية.
والمؤلف - رضوان الله تعالى عليه - وليد هذا البيت وعقيد ذاك العز مع ما حباه الله سبحانه من حدة الذكاء، وجودة الحفظ والفهم، وكمال العقل.
عاش مع أبيه عشرين سنة قرأ عليه وأخذ عنه وعن غيره من علماء قم، فبرع في العلم وفاق الاقران، ثم غادرها إلى الري بالتماس من أهلها فسطع بها بدره وعلا صيته مع أنه في حداثة من سنه وباكورة من عمره، فأقام بها مدة ثم استأذن الملك ركن - الدولة البويهي في زيارة مشهد الرضا سلام الله عليه فأذن له وسافر إليها، ونزل بعد منصرفه نيشابور - وهي يومئذ تحف بالفطاحل - فاجتمع عليه العظماء والأكابر فأكبروا شأنه وتبركوا بقدومه وأقبلوا على استيضاح غرة فضله والاستصباح بأنواره فأفاد لهم بإثارة من علمه الغزير وأنموذج من فضله الكثير، فبهر النواظر والاسماع، وانعقد على شيخوخته وتقدمه الاجماع.
ولد - رحمه الله - بدعاء الصاحب عليه السلام كما نص عليه الاعلام وصدر فيه من ناحيته المقدسة بأنه فقيه خير مبارك (1)، فما قيل فيه من جميل الكلام أو يكتب بالأقلام بعد هذا التوقيع فهو دون شأنه ومقامه. فان قال المولى المجلسي: " هو ركن من أكان الدين "