لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وأنا الآن قد عاقبت (1) الستين، ولكن لا رأى لمن لا يطاع، أبدلني الله بكم من هو خير منكم، وأبدلكم بي من هو شر لكم (2). أصبحت والله لا أرجو نصركم ولا أصدق قولكم وما سهم من كنتم سهمه إلا السهم الأخيب. فقام إليه جندب بن عبد الله فقال: يا أمير المؤمنين هذا أنا وأخي أقول كما قال موسى: (3) رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فمرنا بأمرك فوالله لنضربن دونك، وإن حال (4) دون ما تريده جمر الغضا وشوك القتاد. فأثنى عليهما على صلوات الله عليه خيرا وقال: وأين تبلغان، رحمكما الله، مما أريد؟ ثم انصرف (5).
وروينا عنه صلوات الله عليه أنه خطب الناس يوم جمعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، وكلامكم يوهى الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب، إذا قلت لكم: انهضوا إلى عدوكم قلتم: كيف ومهما؟ ولا ندري أعاليل الأضاليل، تسألوني التأخير فعل ذوي الدين المطول، هيهات هيهات، لا يدفع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالصدق والجد، فأي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون، أصبحت لا أطمع في نصرتكم، ولا أرغب في دعوتكم، فرق الله بيني وبينكم، وأبدلني بكم من (6) هو خير لي منكم، وأبدلكم بي من هو شر لكم منى. ثم نزل، فلما كان من العشى راح الناس إليه يعتذرون، فقال: أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا وأثرة قبيحة، يتخذها الظالمون عليكم حجة حتى تبكى عيونكم، ويدخل الفقر عليكم بيوتكم عما قليل، ولا يبعد الله إلا من ظلم.
وكان كعب بن مالك بن جندب الأزدي، إذا ذكر هذا الحديث ورأي ما هم فيه، بكى وقال: صدق والله أمير المؤمنين (صلع) لقد رأينا من بعده ما توعدنا به.
وروينا عنه صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده، أنه قطع العطاء عمن لم يشهد معه