في عالم الاعتبار والتشريع، فالمؤثر والعلة في وجود الأحكام هو الله تعالى.
وهذه الأسباب التي نسميها بالأسباب لا علل حقيقية للأحكام كما هو واضح، لما عرفت ان علتها الحقيقية هو الشارع، ولا معرفات للعلل الحقيقية لأن هذه الأسباب ليست معرفات للشارع، لان المراد من المعرف هاهنا ظاهرا هو الدال والمبين، وهذه الأسباب ليست دالا ومبينا للعلة الحقيقية بحيث يعرف العلة الحقيقية وانها هو الشارع.
فحديث دوران الامر بين أن تكون أسباب الأحكام وشرائطها إما علل حقيقة لها أو معرفات إليها لا أساس له، وبناء على هذا فما فرعوا على هذا الدوران من أن مقتضى الأصل هو التداخل بناء على أنها معرفات وعدم التداخل بناء على أنها علل حقيقية كلام فارغ لا محصل له، إذ مقصودهم - من ابتناء التداخل على أنها معرفات و ابتناء عدم التداخل على أنها علل حقيقة ومؤثرات واقعية - هو ما أشرنا إليه، وهو ان توارد علتين تامتين حقيقيتين على معلول واحد محال، فبناء على أنها علل حقيقية يكون التداخل محالا.
وأما بناء على أنها معرفات فلا مانع من التداخل، إذ من الممكن أن يكون للشئ الواحد معرفات متعددة وامارات وعلامات كثيرة وكواشف مختلفة.
هذا إذا كان المراد من العلل الحقيقية هو موجدها في عالم الاعتبار والتشريع - أي: الشارع - فقد عرفت انه بناء على هذا ليست هذه التي نسميها الأسباب والشروط علل حقيقية ولا معرفات لها ولا كواشف عنها ولا امارات عليها.
وأما لو كان المراد منها المصالح والمفاسد التي قد تكون من قبيل علة الجعل، وقد تكون من قبيل حكمته، فإنه وإن كان من الممكن أن تكون هذه الأسباب والشرائط مؤثرات في وجود المصالح والمفاسد التي هي اما علة جعل الأحكام أو حكمته، فيكون الافطار في نهار شهر رمضان متعمدا مؤثرا في وجود مصلحة في اعطاء الكفارة التي هي العلة الحقيقية لجعل وجوبها وأيضا يمكن أن تكون معرفات لوجود