الأمر الثالث: في أن الانكار بعد الاقرار لا يسمع ولا اثر له، وذلك من جهة ان الاقرار كما تقدم إمارة على ثبوت ما أقر به على نفسه ونفوذه في حقه والانكار الذي يصدر منه بعد اقراره لا دليل على اعتباره فوجوده كعدمه، وهذا معنى سماعه - أي: كلام - لا أثر له.
ولكن هذا فيما إذا تم الاقرار وجرت أصالة الظهور لتشخيص المراد وهذا فيما إذا لم تكن قرينة متصلة أو منفصلة تكون أصالة الظهور فيما حاكمة على أصالة الظهور في طرف ذي القرينة ولذلك لا يكون الاستثناء عما أقر به انكارا بعد الاقرار.
فلو قال له على عشرة إلا درهما كان اقرار بتسعة لا بعشرة كي يكون استثناء الدرهم انكارا بعد الاقرار وكذلك لو قال هذه الدار لزيد إلا الغرفة الفلانية فهذا اقرار بما عدا تلك الغرفة ولو قال هذه الدار لي إلا الغرفة الفلانية فإنها لزيد مثلا فالاقرار على نفسه يكون بتلك الغرفة فقط وهكذا الامر في سائر الموارد.
فإذا كان الاستثناء عن الايجاب وأقر بالمستثنى منه لغيره فيكون ما أقر به ما عدا المستثنى وإن كان الاستثناء في الكلام المنفي بأن قال ليس لزيد شئ من هذه الدار الا الغرفة الفلانية، فيكون ما أقر به نفس المستثنى.
والحاصل ان في مقام الاستثناء تارة يكون اخباره بالنفي أو الاثبات متعلقا بحق الغير عليه فالاستثناء في الكلام الموجب نتيجته ان المقر به ما بقي بعد الاستثناء كما إذا قال له على عشرة إلا درهما فيكون الاقرار بتسعة واما الاستثناء في الكلام المنفي كما إذا قال ليس له على شئ إلا درهم نتيجته ان المقر به هو نفس المستثنى أعني الدرهم الواحد وتارة يكون اخباره بالنفي والاثبات بحق نفسه على الغير ففي الكلام الموجب كما إذا قال لي على زيد عشرة إلا درهما يكون الاقرار بالنسبة إلى الدرهم الواحد فقط لان نفي الملكية عنه هو اقرار على نفسه فيكون المقر به هو المستثنى فقط عكس السابق.