الآخر. هذا وفي سنن أبي داود أنه قال سلمة في حديثه: قال عمرو في الحقوق يريد أن عمرو بن دينار الراوي عن ابن عبا س خص الحكم بالشاهد واليمين بالحقوق. قال الخطابي:
وهذا خاص بالأموال دون غيرها، فإن الراوي وقفه عليها، والخاص لا يتعدى به محله ولا يقاس عليه غيره، واقتضاء العموم منه غير جائز لأنه حكاية فعل والفعل لا عموم له ا ه. والحق أنه لا يخرج من الحكم بالشاهد واليمين إلا الحد والقصاص للاجماع أنهما لا يثبتان بذلك.
باب الدعاوي والبينات الدعاوي جمع دعوى. وهي اسم مصدر من ادعى شيئا إذا زعم أن له حقا أو باطلا.
والبينات جمع بينة وهي الحجة الواضحة، سميت الحجة بينة لوضوح الحق وظهوره بها.
1 - (عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه متفق عليه وللبيهقي) أي من حديث ابن عباس (بإسناد صحيح: البينة على المدعي واليمين على من أنكر). وفي الباب عن ابن عمر عند ابن حبان، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الترمذي. والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك وإلى هذا ذهب سلف الأمة وخلفها. قال العلماء: والحكمة في كون البينة على المدعي أن جانب المدعي ضعيف، لأنه يدعي خلاف الظاهر، فكلف الحجة القوية وهي البينة فيقوى بها ضعف المدعي، وجانب المدعى عليه قوي لان الأصل فراغ ذمته فاكتفي منه باليمين، وهي حجة ضعيفة.
2 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ص) عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف رواه البخاري. يفسره ما رواه أبو داود والنسائي من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها قال الخطابي:
ومعنى الاستهام هنا الاقتراع يريد أنهما يقترعان فأيهما خرجت له القرعة حلف وأخذ ما ادعى. وروي مثله عن علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو أنه أتى بنعل وجد في السوق يباع فقال رجل: هذا نعلي لم أبع ولم أهب وقرع على خمسة يشهدون، وجاء آخر يدعيه يزعم أنه نعله وجاء بشاهدين، قال الراوي: فقال علي رضي الله عنه: إن فيه قضاء وصلحا وسوف أبين لكم ذلك. أما صلحه فأن يباع النعل فيقسم على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا اثنان، وإن لم يصطلحا فالقضاء أن يحلف أحد الخصمين أنه ما باعه ولا وهبه وإنه نعله، فإن تشاححتما أيكما يحلف فإنه يقرع بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف.
انتهى كلام الخطابي.