فتنتصف منها ولا تنتصف لها، وعلى التفصيل: العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتودد ولين الجانب ونحو ذلك. والمذمومة: ضد ذلك وهي منكرات الأخلاق التي سأل صلى الله عليه وسلم ربه أن يجنبه إياها في هذا الحديث. وفي قوله اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، وفي دعائه صلى الله عليه وسلم في الافتتاح واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها سواك، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها غيرك. ومنكرات الأعمال: ما ينكر شرعا أو عادة، ومنكرات الأهواء جمع هوى، والهوى هو ما تشتهيه النفس من غير نظر إلى مقصد يحمد عليه شرعا، ومنكرات الأدواء جمع داء وهي الأسقام المنفرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها كالجذام والبرص، والمهلكة: كذات الجنب وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سئ الأسقام.
18 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا تمار) من المماراة، وهي المجادلة (أخاك ولا تمازحه) من المزح (ولا تعده موعدا فتخلفه أخرجه الترمذي بسند ضعيف). لكن في معناه أحاديث سيما في المراء، فإنه روى الطبراني أن جماعة من الصحابة قالوا: خرج علينا رسول الله (ص) ونحن نتمارى في شئ من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهرنا وقال: أبهذا يا أمة محمد أمرتم؟ إنما أهلك من كان قبلكم بمثل هذا، ذروا المراء لقلة خيره، ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري، ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته، ذروا المراء، كفى إثما أن لا تزال مماريا، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة في رياضها أسفلها وأوسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء فإنه أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان وأخرج الشيخان مرفوعا إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم أي الشديد المراء أي الذي يحج صاحبه. وحقيقة المراء طعنك في كلام غيرك لاظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله، وإظهار مزيتك عليه، والجدال هو ما يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها. والخصومة لجاج في الكلام ليستوفى به أو غيره، ويكون تارة ابتداء وتارة اعتراضا، والمراء لا يكون إلا اعتراضا، والكل قبيح إذا لم يكن لاظهار الحق وبيانه وإدحاض الباطل وهدم أركانه. وأما مناظرة أهل العلم للفائدة وإن لم تخل عن الجدال فليست داخلة في النهي، وقد قال تعالى: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * وقد أجمع عليه المسلمون سلفا وخلفا، وأفاد الحديث النهي عن ممازحة الأخ، والمزاح:
الدعابة، والمنهي عنه ما يجلب الوحشة أو كان بباطل، وأما ما فيه بسط الخلق وحسن التخاطب وجبر الخاطر فهو جائز. فقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة أنهم قالوا: يا رسول الله إنك لتداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا. وأفاد الحديث النهي عن إخلاف الوعد، وتقدم أنه من صفات المنافقين، وظاهره التحريم، وقد قيده حديث: أن تعده وأنت مضمر