الحصر في الركوب والزينة، فإنه ينتفع بها في غيرهما اتفاقا، وإنما نص عليهما لكونهما أغلب ما يطلب، ولو سلم الحصر لامتنع حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل به الثاني: من وجوه دلالة الآية على تحريم الأكل: عطف البغال والحمير فإنه دال على اشتراكهما معها في حكم التحريم فمن أفرد حكمهما عن حكم ما عطف عليه احتاج إلى دليل. وأجيب عنه بأن هذا من باب دلالة الاقتران وهي ضعيفة. الثالث: من وجوه دلالة الآية: أنها سيقت للامتنان فلو كانت مما يؤكل لكان الامتنان به أكثر لأنه يتعلق ببقاء البنية. والحكيم لا يمتن بأدنى النعم ويترك أعلاها سيما وقد أمتن بالأكل فيما ذكر قبلها: وأجيب بأنه تعالى خص الامتنان بالركوب لأنه غالب ما ينتفع بالخيل فيه عند العرب فخوطبوا بما عرفوه وألفوه، كما خوطبوا في الانعام بالأكل وحمل الأثقال لأنه كان أكثر انتفاعهم بها لذلك، فاقتصر في كل من الصنفين بأغلب ما ينتفع به فيه. الرابع: من وجوه دلالة الآية: لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة التي أمتن بها وهي الركوب والزينة. وأجيب عنه: بأنه لو لزم من الاذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في البقر ونحوها مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة أخرى.
وقد أجيب عن الاستدلال بالآية بجواب إجمالي وهو: أن آية النحل مكية اتفاقا والاذن في أكل الخيل كان بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين، وأيضا فإن آية النحل ليست نصا في تحريم الأكل، والحديث صريح في جوازه، وأيضا لو سلم ما ذكر كان غايته للدلالة على ترك الأكل وهو أعم من أن يكون للتحريم أو للتنزيه أو خلاف الأولى، وحيث لم يتعين هنا واحد منها لا يتم بها التمسك، فالتمسك بالأدلة المصرحة بالجواز أولى. وأما زعم البعض أن حديث جابر دال على التحريم لكونه ورد بلفظ الرخصة، والرخصة استباحة المحظور مع قيام المانع، فدل أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة فلا يدل على الحل المطلق، فهو ضعيف لأنه ورد بلفظ أذن لنا ولفظ أطعمنا فعبر الراوي بقوله: رخص لنا عن أذن لا أنه أراد الرخصة الاصطلاحية الحادثة بعد زمن الصحابة، فلا فرق بين العبارتين أذن ورخص في لسان الصحابة.
4 - (وعن ابن أبي أو في رضي الله عنهما قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد) وهواسم جنس، والواحدة جرادة، يقع على الذكر والأنثى كحمامة (متفق عليه) وهو دليل على حل الجراد. قال النووي: وهو إجماع وأخرج ابن ماجة عن أنس قال كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد في الاطباق. وقال ابن العربي في شرح الترمذي: إن جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض. فإذا ثبت ما قاله فتحريمها لأجل الضرر، كما تحرم السموم ونحوها. واختلفوا هل أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراد أم لا؟ وحديث الكتاب يحتمل أنه كان يأكل معهم إلا أن في رواية البخاري زيادة لفظ: نأكل الجراد معه قيل: وهي محتملة أن المراد غزونا معه فيكون تأكيدا لقوله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن المراد نأكل معه. قلت: وهذا الأخير هو الذي يحسن حمل الحديث عليه إذ التأسيس أبلغ من التأكيد ويؤيده ما وقع في الطب