خزانة من خزائن الله، وأول ما يندفع بالجوع شهوة الفرج وشهوة الكلام فإن الجائع لا تتحرك عليه شهوة فضول الكلام فيتخلص من آفات اللسان، ولا تتحرك عليه شهوة الفرج فيتخلص من الوقوع في الحرام. ومن فوائده قلة النوم فإن أكل كثير شرب كثيرا فنام طويلا وفي كثرة النوم خسران الدارين وفوات كل منفعة دينية ودنيوية. وعد الغزالي في الاحياء عشر فوائد لتقليل الطعام وعد عشر مفاسد للتوسيع منه، فلا ينبغي للعبد أن يعود نفسه ذلك فإنها تميل به إلى الشره ويصعب تداركها، وليرضها من أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون له من أن يجرئها على الفساد، وهذا أمر لا يحتمل الإطالة إذ هو من الأمور التجريبية التي قد جربها كل انسان. والتجربة من أقسام البرهان.
10 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطأ) أي كثيرو الخطأ إذ هو صيغة مبالغة (وخير الخطائين التوابون أخرجه، الترمذي وابن ماجة وسنده قوي). والحديث دال على أنه لا يخلو من الخطيئة انسان لما جبل عليه هذا النوع من الضعف وعدم الانقياد لمولاه في فعل ما إليه دعاه وتر ك ما عنه نهاه، ولكنه تعالى بلطفه فتح باب التوبة لعباده، وأخبر أن خير الخطائين التوابون المكثرون للتوبة على قدر كثرة الخطأ، وفي الأحاديث أدلة على أن العبد إذا عصى الله وتاب تاب الله عليه ولا يزال كذلك ولن يهلك على الله إلا هالك. وقد خص من هذا العموم يحيى بن زكريا عليه السلام فإنه قد ورد أنه ما هم بخطيئة. وروي أنه لقيه إبليس ومعه معاليق من كل شئ فسأله عنها فقال: هي الشهوات التي أصيب بها بني آدم فقال: هل لي فيها شئ؟ قال:
ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر قال: هل غير ذلك، قال: لا قال: لله علي أن لا أملا بطني من طعام أبدا فقال إبليس: لله علي أن لا أنصح مسلما أبدا.
11 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): الصمت حكمة وقليل فاعله أخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف وصحح أنه موقوف من قول لقمان عليه السلام. وسببه أن لقمان دخل على داود عليه السلام فرآه يسرد درعا لم يكن رآها قبل ذلك، فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته حكمته عن ذلك فترك ولم يسأله، فلما فر قام داود ولبسها ثم قال: نعم الدرع للحرب فقال لقمان: الصمت حكمة - الحديث. وقيل: تردد إليه سنة وهو يريد أن يعلم ذلك ولم يسأله. وفيه دليل على حسن الصمت ومدحه، والمراد به عن فضول الكلام. وقد وردت عدة أحاديث دالة على مدح الصمت، ومدحه العقلاء والشعراء وفي الحديث من صمت نجا وقال عقبة بن عامر:
قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك الحديث، وقال صلى الله عليه وسلم: من تكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة وقال معاذ رضي