وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. قال القاضي عياض: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الثلاث الصور. وأخرج ابن النجار عن النواس بن سمعان مرفوعا الكذب يكتب على ابن آدم إلا في ثلاث: الرجل يكون بين الرجلين ليصلح بينهما، والرجل يحدث امرأته ليرضيها بذلك، والكذب في الحرب. قلت: نظر في حكمة الله ومحبته لاجتماع القلوب كيف حرم النميمة وهي صدق لما فيها من إفساد القلوب وتوليد العداوة والوحشة، وأباح الكذب - وإن كان حراما - إذا كان لجمع القلوب وجلب المودة وإذهاب العداوة.
36 - (وعن أنس رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: كفارة من اغتبته أن تستغفر له رواه الحارث بن أبي أسامة بإسناد ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده والبيهقي في شعب الايمان وغيرهما بألفاظ مختلفة من حديث أنس، وفي أسانيدهما ضعف. وروي من طريق أخرى بمعناه، والحاكم من حديث حذيفة، والبيهقي قال: وهو أصح، ولفظه قال: كان في لساني ذرب على أهلي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟ إني لاستغفر الله في كل يوم مائة مرة وهذا الحديث لا دليل فيه نصا أنه لأجل الاغتياب بل لعله لدفع ذرب اللسان. وفي الحديث دليل على أن الاستغفار من المغتاب لمن اغتابه يكفي ولا يحتاج إلى الاعتذار منه. وفصلت الهادوية والشافعية فقالوا: إذا علم المغتاب وجب الاستحلال منه، وأما إذا لم يعلم فلا، ولا يستحب أيضا، لأنه يجلب الوحشة وإيغار الصدر، إلا أنه أخرج البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا من كان عنده مظلمة لأخيه في عرضه أو شئ فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون له دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وأخر نحوه البيهقي من حديث أبي موسى، وهو دال على أنه يجب الاستحلال وإن لم يكن قد علم، إلا أنه يحمل على من قد بلغه، ويكون حديث أنس فيمن لم يعلم ويقيد به إطلاق حديث البخاري.
37 - (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص):
أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) بفتح الخاء وكسر الصاد المهملة (أخرجه مسلم). الألد مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه، والخصم شديد الخصومة الذي يحج مخاصمه، ووجه الاشتقاق أنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر. وقد وردت أحاديث في ذم الخصومة كحديث: من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع تقدم تخريجه. وأخرج الترمذي وقال: غريب من حديث ابن عباس مرفوعا كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما وظاهر إطلاق الأحاديث أن الخصومة مذمومة ولو كانت في حق وقال النووي في الأذكار: فإن قلت: لا بد للانسان من الخصومة لاستيفاء حقه، فالجواب ما أجاب به الغزالي أن الذم إنما هو لمن خاصم بباطل وبغير علم، كوكيل القاضي، فإنه يتوكل قبل أن يعرف الحق في أي جانب، ويدخل في الذم من يطلب حقا لكن لا يقتصر على قدر