ويجمع بين الروايات بأن الذي رده يوم بدر تفرس فيه الرغبة في الاسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه، أو أن الاستعانة كانت ممنوعة فرخص فيها وهذا أقرب. وقد استعان يوم حنين بجماعة من المشركين تألفهم بالغنائم. وقد اشترط الهادوية أن يكون معه مسلمون يستقل بهم في إمضاء الاحكام. وفي شرح مسلم أن الشافعي قال: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة استعين به وإلا فيكره. ويجوز الاستعانة بالمنافق إجماعا لاستعانته صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي وأصحابه.
16 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي (ص) رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه فأنكر قتل النساء والصبيان متفق عليه. وقد أخرج الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم لمدخل مكة أتي بامرأة مقتولة فقال: ما كانت هذه تقاتل أخرجه عن ابن عمر فيحتمل أنها هذه. وأخرج أبو داود في المراسيل عن عكرمة: أنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: ألم أنه عن قتل النساء؟ من صاحبها؟ فقال رجل:
يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني فقتلتها فأمر بها أن توارى. ومفهوم قوله تقاتل وتقريره لهذا القاتل يدل على أنها إذا قاتلت قتلت وإليه ذهب الشافعي، واستدل أيضا بما أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث رباح بن ربيع التميمي قال: كنا مع رسول الله (ص) في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال:
ما كانت هذه لتقاتل.
17 - (وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) بالشين المعجمة وسكون الراء والخاء المعجمة هم الصغار الذين لم يدركوا، ذكره في النهاية (رواه أبو داود وصححه الترمذي) وقال: حسن غريب وفي نسخة صحيح وهو من رواية الحسن عن سمرة وفيها ما قدمناه. والشيخ من استبانت فيه السن أو من بلغ خمسين سنة أو إحدى وخمسين كما في القاموس، والمراد هنا الرجال المسان أهل الجلد والقوة على القتال ولم يرد الهرمي، ويحتمل أنه أريد بالشيوخ من كانوا بالغين مطلقا فيقتل، ومن كان صغيرا لا يقتل، فيوافق ما تقدم من النهي عن قتل الصبيان.
ويحتمل أنه أريد بالشرخ من كان في أول الشباب فإنه يطلق عليه كما قال حسان:
إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا فإنه يستبقى رجاء إسلامه كما قال أحمد بن حنبل: الشيخ لا يكاد يسلم والشباب أقرب إلى الاسلام فيكون الحديث مخصوصا بمن يجوز تقريره على الكفر بالجزية.
18 - (وعن علي رضي الله عنه: أنهم تبارزوا يوم بدر رواه البخاري وأخرجه أبو داود مطولا. وفي المغازي من البخاري عن علي كرم الله وجهه أنه قال: أنا أول من يجثو للخصومة يم القيامة، قال قيس: وفيهم أنزلت * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * قال: هم الذين تبارزوا في بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة. وتفصيله ما ذكره ابن إسحاق أنه برز عبيدة لعتبة وحمزة