ابن عباس رضي الله عنه أنه يقام فيه. وفرقوا بينه وبين الملتجئ إليه: بأن الجان فيه هاتك لحرمته والملتجئ معظم لها، ولأنه لم يقم الحد على من جنى فيه من أهله لعظم الفساد في الحرم، وأدى إلى أن من أراد الفساد قصد إلى الحرم ليسكنه وفعل فيه ما تتقاضاه شهوته.
وأما الحد بغير القتل فيما دون النفس من القصاص ففيه خلاف أيضا. فذهب أحمد في رواية أنه يستوفى، لان الأدلة إنما وردت فيمن سفك الدم، وإنما ينصرف إلى القتل، ولا يلزم من تحريمه في الحرم تحريم ما دونه، لان حرمة النفس أعظم، والانتهاك بالقتل أشد، ولان الحد فيما دون النفس جار مجرى تأديب السيد عبده فلم يمنع منه. وعنه رواية بعدم الاستيفاء لشئ عملا بعموم الأدلة، ولا يخفى أن الحكم للأخص حيث صح أن سفك الدم لا ينصرف إلا إلى القتل. قلت: ولا يخفى أن الدليل خاص بالقتل، والكلام من أوله في الحدود فلا بد من حملها على القتل، إذ حد الزنا غير الرجم، وحد الشرب والقذف يقام عليه.
26 - (وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه) هو أبو عبد الله سعيد بن جبير بضم الجيم وفتح الباء الموحدة فمثناة فراء الأسدي مولي بني والبة بطن من بني أسد بن خزيمة كوفي أحد علماء التابعين، سمع ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأنسا وأخذ عنه عمرو بن دينار وأيوب. قتله الحجاج سنة خمس وتسعين في شعبان منها، ومات الحجاج في رمضان من السنة المذكورة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة صبرا) في القاموس: صبر الانسان وغيره على القتل أن يحبس ويرمى حتى يموت. وقد قتله صبرا وصبرا عليه، ورجل صبورة: مصبور للقتل انتهى (أخرجه أبو داود في المراسيل ورجاله ثقات). والثلاثة هم طعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط. ومن قال بدل طعيمة: المطعم بن عدي، فقد صحف كما قاله المصنف. وهذا دليل على جواز قتل الصبر إلا أنه قد روي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم برجال ثقات وفي بعضهم مقال: لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرا قاله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الأخطل يوم الفتح.
27 - (وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله (ص) فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين أخرجه الترمذي وصححه وأصله عند مسلم. فيه دليل على جواز مفاداة المسلم الأسير بأسير من المشركين. وإلى هذا ذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة:
لا يجوز المفاداة ويتعين إما قتل الأسير أو استرقاقه. وزاد مالك أو مفاداته بأسير. وقال صاحبا أبي حنيفة: يجوز المفاداة بغيره أو بمال أو قتل الأسير أو استرقاقه. وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم قتل الأسير كما في قصة عقبة بن أبي معيط. وفداؤه بالمال كما في أسارى بدر. والمن عليه كما من على أبي غرة يوم بدر على أن لا يقاتل، فعاد إلى القتال يوم أحد فأسره وقتله وقال في حقه: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والاسترقاق وقع منه صلى الله عليه وسلم لأهل مكة ثم أعتقهم.
28 - (وعن صخر) بالصاد المهملة فخاء معجمة ساكنة فراء (ابن العيلة) بالعين المهملة مفتوحة وسكون المثناة التحتية ويقال ابن أبي العيلة عداده في أهل الكوفة وحديثه