التوجه وأخلص لله فهو أبلغ في الكمال. وقال الفخر الرازي: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد، والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامه وفي أسرار مخلوقات الله. والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة بالطاعات ومن ثمة سمي الله الصلاة ذكرا في قوله: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * وذكر بعض العارفين أن الذكر على سبعة أنحاء: فذكر العينين بالبكاء وذكر الاذنين بالاصغاء وذكر اللسان بالثناء وذكر اليدين بالعطاء وذكر البدن بالوفاء وذكر القلب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضاء. وورد في الحديث ما يدل على أن الذكر أفضل الأعمال جميعها وهو ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى قال: ذكر الله. ولا تعارضه أحاديث فضل الجهاد وأنه أفضل من الذكر، لان المراد بالذكر الأفضل من الجهاد ذكر اللسان والقلب والتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله، فهذا أفضل من الجهاد، والجهاد أفضل من الذكر باللسان فقط. وقال ابن العربي: إنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه فمن لم يذكر الله عند صدقته أو صيامه فليس عمله كاملا، فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية، ويشير إليه حديث نية المؤمن خير من عمله.
4 - (وعنه) أي أبي هريرة (قال: قال رسول الله (ص): ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على النبي (ص) إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة أخرجه الترمذي وقال: حسن. زاد فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم وأخرجه أحمد بلفظ ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليه ترة، وما من رجل يمشي طريقا فلم يذكر الله تعالى إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله عز وجل إلا كان عليه ترة وفي رواية إلا كان عليه حسرة يوم القيامة. وإن دخل الجنة والترة: بمثناة فوقية مكسورة فراء بمعنى الحسرة وقال ابن الأثير:
هي النقص. والحديث دليل على وجوب الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس سيما مع تفسير الترة بالنار أو العذاب، فقد فسرت بهما، فإن التعذيب لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محظور، وظاهره أن الواجب هو الذكر والصلاة عليه (ص) معا. وقد عدت مواضع الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فبلغت ستة وأربعين موضعا.
قال أبو العالية: معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته، ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له بحصول الثناء والتعظيم. وفيه أقوال أخر هذا أجودها. وقال غيره: الصلاة منه تعالى على رسوله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة فمعنى قولنا: اللهم صل على محمد: عظم محمدا أو المراد بالتعظيم: إعلاء ذكره، وإظهار دينه وإبقاء شريعته في الدنيا